التحذير من مشاهدة الأطفال لأخبار الحروب والكوارث

مشاهد العنف تحتل أحلامهم والأحداث اليومية في قمة اهتماماتهم

TT

تعودت (روعة) أن تشاهد التلفاز يوميا برفقة أسرتها الصغيرة، وبالرغم من أن الأحداث الساخنة التي تسيطر على المنطقة قد ألقت بالكثير من الأحداث السلبية على نشرات الأخبار، إلا أن روعة تتابع هذه الأخبار برفقة ابنتها الصغيرة ذات الثلاثة أعوام، وخلال أيام من بدء الحرب على لبنان بدأت تأثيرات تلك المتابعة تظهر على الطفلة الصغيرة.

وتشير إحدى الدراسات إلى أن الأطفال هم الضحايا الأكثر هشاشة والأسرع سقوطاً لمشاهد العنف، كون التجارب المروعة تدمر وجودهم الداخلي، حين يسلبون الإحساس بالأمن والثقة بالنفس والاطمئنان إلى الحياة برمتها، لذا يرى الخبراء أنه ليس من الضروري أن يتعرض الأطفال أنفسهم للتجارب المروعة، بل يكفي أن يشاهدوها تصيب الآخرين.

وتصف روعة ـ موظفة ـ الصعوبة التي صارت تلاقيها مع كل صباح تذهب فيه إلى عملها «ما يحدث في لبنان صار بالنسبة لنا الشغل الشاغل، فتقريبا معظم ما نشاهده أنا وزوجي هو نشرات الأخبار حول التطورات وما يحدث، لم أدرك بداية أن طفلتي «هيا» ستتأثر بما نشاهده فهي لم تبلغ بعد الثلاث سنوات، وأصبح كل صباح أذهب فيه إلى العمل صباحا افتتاحيته بكاء ونحيب من طفلتي كي لا أذهب إلى العمل وأظل في البيت لا مهمة لي سوى البقاء بجانبها الأربع والعشرين ساعة بشكل مبالغ فيه، وتطور الأمر معنا إلى قلة نومها ليلا وصحيان مفاجئ مع بكاء هستيري»، وبسبب كل ذلك اتفقت روعة مع زوجها على ألا يشاهدا نشرات الأخبار إلا في فترة الليل بعد أن تنام الصغيرة.

وأزمة أم محمد تختلف عن أزمة روعة وتتلخص في قلة الإقبال على الطعام من قبل ولديها ذوي الإثني عشر والخمسة عشر عاما، تقول «صارت مائدتنا على الغداء شبه مهجورة من ولدي اللذين اصبحا من المدمنين على التلفاز لمشاهدة تطورات الحرب على لبنان وما يحدث فيه، ويعقب كل مشاهدة سيل من الأسئلة تنهال على رأسي حول الخير والشر ومن المخطئ ومن المصيب، بعض الاسئلة أستطيع الإجابة عنه والآخر أتركه رغما عني معلقا دون اجابة».

أما سميرة فتقول انها فوجئت بابنها وهو يقدم لها حصالته التي جمع فيها 100 درهم على مدى شهرين كي تتبرع له بها لأطفال لبنان، «فاجأني تصرف طفلي ذي الخمسة أعوام، فرحت به لكنني خفت في ذات الوقت من أن يكبر قبل الأوان، خاصة أنه في الأيام الأخيرة بات أقل إقبالا على اللعب مع ابن جارتنا أمام المنزل وملاصقا لوالده في معظم الأوقات، وزوجي بطبيعة الحال مشغول كالآخرين بالأحداث الأخيرة في لبنان وفلسطين ومن قبله العراق».

«الشرق الأوسط» سألت الدكتور جورج ونيس طبيب الأمراض النفسية عن الآثار النفسية لتعرض الأطفال لمشاهد العنف في وسائل الإعلام، فقال إن التعرض المستمر لمشاهد العنف أيا كانت سواء في نشرات الأخبار أو الأفلام أو رسوم متحركة له آثار جانبية خطيرة على الأطفال، وربما يعود ذلك أن بعضهم لا يفهم الاحداث فهماً جيداً، ذلك أن فهم مجريات الأحداث يخفف القلق والرعب بشكل كبير، ومن هنا فإن أعمال العنف في النزاعات المسلحة تنشر القلق في نفوس الأطفال وتزيد مخاوفهم.

ويضيف الدكتور ونيس أن من المشاهد التلفازية ما يجعل الأطفال يميلون إلى التحيز والتعصب في فترة مبكرة من العمر، الأمر الذي يقود إلى الميل لاتخاذ أحكام قطعية، أو المغالاة والتطرف إزاء بعض الموضوعات او الاشخاص. ويضيف الدكتور ونيس أنه يمكن أن تتضمن التأثيرات ميل الأطفال إلى اللامبالاة العاطفية، ذلك أن تواتر الصور على التلفاز جعل كثيراً من الأحداث تبدو معتادة ولا تثير إلاّ ردود أفعال ضئيلة أو عابرة بوجه عام. وعامة تقود اللامبالاة العاطفية إلى قدر من التبلد العاطفي، أو إضعاف القدرة على التوحد في بعض المواقف مما يعد خروجاً عما تسعى إليه التربية العاطفية.

ومن بين تأثيرات مشاهد النزاعات المسلحة في التلفاز أن الأطفال يدخلون إلى عالم الكبار قبل الأوان، ويتعرفون إلى أساليب من طرق حياتهم لا يمكن التعرف عليها لولا التلفاز، لذا فإن تلك المشاهد تزيد من اقتحام الأطفال عالم الكبار، وهو عالم غريب في ثقافته عن عالم الأطفال.