لبنان: الازدحام يولّد حروبا صغيرة

بعدما أصبح عدد سكان البيت الواحد يتجاوز العشرين

TT

ولّد الازدحام البشري الذي يسود بيروت حاليا بعد نزوح الأقرباء والأصدقاء، حروبا صغيرة تكاد تشعل النار الكلامية بين جميع أفراد المنزل مرة واحدة. فكثرة الأشخاص الموجودين تحت سقف واحد، ومع معاناة الرجال البطالة، أدت الى اتباع سياسة التوفير والتقنين والقلة ممل جعل الحياة في تلك المساكن ثقيلة، فيها الكثير من الضيق والتوتر النفسي.

ففي غياب الملاجئ المجهزة لاستقبال سكان البنايات في مناطق عدة، اضطر هؤلاء للجوء الى منازل اقرباء ومعارف لهم تعتبر أكثر أمانا حتى الساعة، فيما اختارت فئة أخرى من النازحين استئجار البيوت في مناطق بعيدة عن الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وتسديد الإيجار جماعيا وفق عدد العائلات المقيمة في كل بيت.

وتقول ليلى صفي الدين، التي تمضي عطلتها القسرية لدى ابنة خالتها في منطقة الزلقا شمال بيروت، إنها تشعر أحيانا بالغثيان وأحيانا أخرى بضيق في التنفس لنقص الأوكسجين في منزل قريبتها الصغير، خصوصا انه يحضن تحت سقفه سبعة عشر شخصا بين كبير وصغير.

أما منيرة سليم التي تعيش منذ بداية حرب يوليو (تموز) في بيت أخيها وزوجته وقد اصطحبت معها جارتها نازك من جنوب لبنان، فتؤكد ان الرجال بدءا من زوجها مرورا بأخيها ووصولا الى جارها، باتت الحياة معهم لا تطاق في ظل البطالة التي يعيشونها. فقد أصبحوا أكثر سمنة وامتنعوا عن حلاقة ذقونهم وتشذيب لحاهم وشعرهم، وازدادت عصبيتهم فصاروا يتحدثون بصوت مرتفع وكأنهم يصرخون طوال الوقت.

أما هدى التي تسكن في منطقة برج حمود مع عدد من اقاربها فتقول ان جميع افراد المنزل الذين استأجروه اخذوا على عاتقهم القيام بمهمات معينة حتى يشعروا بنوع من الإنتاجية، فهذا يكنس وتلك تنظف وآخر يؤمن مياه الشقة. فيما التزم الأولاد استحداث «مكيّف» يطلق الهواء في اتجاه الجميع في غياب التيار الكهربائي، مؤلف من اغطية بعض الصناديق الكرتونية التي حصلوا عليها من الدكاكين المجاورة! أما السهرات فتنوعت لتشمل تلك التي يمكن تمضيتها على ضوء الشموع أو حول مصباح يعمل بالغاز، أو كما في الأيام الخوالي أي على ضوء قنديل الكاز، وفي جميع الحالات هي كناية عن سهرات قصيرة تنتهي بعد الاستماع الى نشرة الأخبار عبر التلفزيون أو الراديو.

ويرى الاختصاصي الاجتماعي الدكتور كميل حاج أن وجود أشخاص عدة في مكان واحد لا ينتمون اليه بالأصل يتسبب بفقدان الفسحة الحيوية لكل شخص، مما يولد الضيق والتوتر. وكذلك الاختلاط اليومي والدائم بين تلك العائلات يولد علاقات جديدة، ولكن على أسس خاطئة غالبا، إضافة الى تعطيل الفكر بحيث لا يعود الشخص يستطيع التفكير بصوت عال وبحرية في غياب الاستقلالية، بل يفكر منجرفا مع التيار، فيردد ما يقوله الآخرون.