سعوديون يسافرون للسياحة ويعودون بخاتم الخطوبة

«الهايد بارك» فرصة لجمع رأسين بالحلال

TT

قديماً قيل إن للسفر سبع فوائد، لكنه أصبح للبعض بمائة فائدة. فقد كشفت دراسة حديثة أجراها موقع «ميتيك» على شبكة الإنترنت بالاشتراك مع شركة «ايزي جيت» للرحلات الجوية المنخفضة أن ثلثي العزاب الأوروبيين يأملون الوقوع في الحب والالتقاء بالنصف الآخر أثناء سفرهم لقضاء عطلاتهم السنوية.

ولا تختلف كثيراً حصة شباب وفتيات السعودية عن نظرائهم في أوروبا، فمع الازدياد المطرد لنسب العنوسة وتأخر سن الزواج إضافة إلى ندرة فرص التعارف والتواصل بين الشاب والفتاة داخل المجتمع السعودي، فضل البعض منهم استغلال وجهاته السياحية لتكون بمثابة الفرصة في لقاء شريك العمر بعيداً عن أي ضغوط اجتماعية. خاصة وقد جاءت الكثير من الروايات السعودية الصادرة حديثاً لتشجع على خوض هذه التجربة من خلال سردها المشوق لتفاصيل لقاءات مجموعة شباب وفتيات من السائحين حول عواصم العالم وقد جمعتهم علاقة إعجاب وحب تُوجت بالزواج.

وقد كان للأحداث الدامية التي تجري في لبنان دور كبير في نزوح الكثير من الأسر السعودية إلى العواصم الأوربية واختيارها كوجهات سياحية بديلة، كما أفاد بذلك مسؤولو مكاتب وكالات السفر والسياحة، لتبتعد بيروت عن دورها كأشهر خاطبة عربية وفّقت بين طلاب القُرْبِ السعوديين تاركة المهمة للندن وباريس اللتين تشهدان إقبالاً صيفياً كبيراً من العرب.

وقد قامت «الشرق الأوسط» بجولة داخل حديقة الهايد بارك اللندنية الغاصة بالسياح، التقت فيها بمجموعة من الفتيات والشباب السعوديين لأخذ آرائهم حول هذا النوع الحديث من التعارف وفرص نجاح الزواج القائم عليه.

فدوى الخان، في أواخر العشرين من عمرها، كانت منشغلة بتصوير زوايا بحيرة الحديقة الاصطناعية، وقد أذهلتها الفكرة لتظن أنها المقصودة بالسؤال، قائلة «نحن نسافر للسياحة والاستمتاع بالجو الجميل والطبيعية الخلابة، ولا نفكر بمثل هذه الأمور، صحيح أننا نحرص على الظهور بشكل أنيق وجميل، لكن الزواج أولاً وأخيراً مسألة نصيب، ولا تفيد في مثل هذه المواضيع الخطط والاستعدادات!».

فيما قالت رشا، ابنة خال فدوى، والتي بدت محرجة جداً «أسمع كثيراً من صديقاتي في الجامعة عن بنات يُخطبن أثناء السفر أو بعد عودتهن مباشرة، ربما لأن الفتيات هنا يحاولن الظهور بشكل أنيق وجميل ويتنافسن في ما بينهن حول هذا الشيء». وتضيف رشا بعد أن عدلت أطراف حجابها الزيتي «المحزن أن بعض الشباب يستغلون هذه الفئة من الفتيات، لتتعلق الفتاة بفكرة لقائها بفارس الأحلام والذي ربما لا يفكر إلا في التسلية معها فقط».

وفي الجانب الآخر للبحيرة، اختارت مجموعة من الفتيات السعوديات ممارسة هواية التزلج مع الجموع، وقد علت أصواتهن بحبور واضح. لمياء.م كانت تتكلم ببطء وقد بدا عليها الإرهاق من الركض والتزلج، قائلة «أرى بعض البنات نواياهن مفضوحة من التكلف باختيار الملابس وكثرة الالتفات ومحاولة الظهور بشخصية رسمية جداً، وهؤلاء يكن محط الأنظار لكن ليس بالضرورة أن يتقدم أحد لخطبتهن، إلا إذا التقت الفتاة بشاب يتفق معها بالشخصية والتفكير».

أما باسمة التي فضلت الخروج بمظهر أوروبي باختيارها الجينز وتصفيف شعرها بعشوائية، فقالت «إذا صادف والتقيت بإنسان راق ومحترم وأعجبنا ببعضنا البعض فحلو أن نرتبط ونتزوج why not!».

في حين عبرت منال.م التي لفّت حجابها على الطريقة الإسبانية عن رأيها قائلة «أرفض التفكير بمثل هذه الأمور، فالسفر برأيي هو للسياحة والنقاهة والتعرف على ثقافات وحضارات جديدة».

وفوق إحدى التلال الخضراء كان صوت عبد العزيز الريس مرتفعاً وهو يتحدث بالجوال بلهجته النجدية. عبد العزيز لم يكن سائحاً بل قدم إلى بريطانيا لدراسة اللغة الإنجليزية، وبعد أن أخذ وقتاً طويلاً بالتفكير عبر عن رأيه قائلاً «حتى وإن كنا نسافر ونسكن في الخارج إلا أننا نرجع بالأساس إلى مجتمع محافظ ليست فيه الحرية التي تسمح للأوربيين بالتعرف على شركائهم بسهولة.. أما عن بعض الحالات التي انتهت بزواج فتيات وشباب بعد تعرفهم بالخارج فهي نادرة وخاضعة للصدفة بالدرجة الأولى، فلا يوجد شاب يسافر وهو يفكر بالبحث عن زوجة، ربما الفتيات نعم، لكن الشباب فهذا أمر صعب!».

فيما يؤكد على كلامه صديقه الذي اختار لنفسه لقب أبو سلطان، بقوله «نحن نعرف أن الفتيات اللاتي يبحثن عن العرسان أثناء قضاء الإجازة السنوية غالباً يستهدفن الشباب الأثرياء ويقمن بـ«التلميح» الواضح لاصطياد العريس الغني للتفاخر به، وأنا أشفق على هذه النوعية من البنات فأهدافهن المادية مفضوحة».

البارز أن علاقة الأسر السعودية مع السفر علاقة حميمة تزداد أواصرها سنة بعد سنة، فبعد أن كان السفر للسياحة في الخارج من الكماليات أصبح من الضروريات، وإن كان البرنامج السياحي لغالبية السعوديين والسعوديات يبدو موحداً، حيث تُستفتح نهاراتهم اللندنية بالتسوق في شارعي سلون وبوند، ويُختتم ليلهم في أحد مقاهي ومطاعم نايتس بريدج ومشاهدة ذات الوجوه كل يوم.. منشغلين بالبحث عن الحرية الممزوجة بنسمات الهواء الباردة ومتلذذين بممارسة هواية التفاخر ومستمتعين بأجواء المهرجانات والحفلات، ليعودوا آخر كل صيف وهم يحملون الكثير من الصور والمواقف والحكايات، وربما يكون خاتم الخطوبة أحد أجمل ذكريات السفر.