احتفال أميركي يحول الصحراء إلى ساحة للفنون

«الرجل المحترق» في عامه العشرين

TT

قبل عشرين عاما، قام بوهيميان من سان فرانسيسكو، هما لاري هارفي وجيري جيمس بإحراق دمية خشبية على شاطئ «بيكر بيتش». وجذب هذا التقليد من خلال حديث الناس بعضهم مع بعض الكثيرين وارتفع عدد المشاركين بهذا الطقس السنوي وعند حلول عام 1990 نقل العدد الكبير من المشاركين هذا التقليد من هذا الشاطئ بعيدا إلى صحراء نيفادا وتزايد العدد حتى أصبح يضم حوالي 40 ألف شخص يجتمعون كل سنة في مدينة اسمها «بلاك روك سيتي». حيث يبقون أسبوعا، وأصبحت مدينة «بيرننغ مان» (الرجل المحترق) الأكثر مثالية في الولايات المتحدة.

وهذه المدينة المؤقتة تكرس نشاطها وبشكل مخفف للفن وبعد أن يتم بناؤها على عجل تختفي بعد أسبوع، وتقع في منطقة بلاك روك الصحراوية، وهي بحيرة جافة تبعد 100 ميل عن أقرب مدينة «حقيقية» هي رينو. وينتهي أسبوع الترفيه كل عام بإشعال نار كبيرة، ثم يجلب تمثال خشبي لرجل طوله 40 قدما فيتم حرقه ضمن مراسم خاصة.

وخلال العقدين السابقين ظل هذا المهرجان يجلب عددا كبيرا من المناصرين والمنتقدين له. ويأتي عداء الأخيرين إلى أنهم لا يعرفون بالضبط ما يجري هناك. فمدينة «الرجل المحترق» شبيهة بمدينة الألعاب لكن الزبائن يبنون بأنفسهم اللعب. إنه مهرجان للفنون لكن بدون لوحات تخبرك ما يعنيه هذا الشيء أو ذاك أو من هو مبدعه. إنها أشبه بحفلة كبيرة في أرض منبوذة، لن يختارها أي رجل عقلاني كي يكون فيها.

ولا يوجد في تلك المدينة العابرة أي ماء أو نباتات وكل ما يحيطك هو مئات من الأميال المربعة من قفر الصحراء التي تقع تحت رحمة عواصف رملية غير متوقعة قابلة لأن تدمر كل المساكن، وتحول العالم إلى متاهة لا يمكنك ان ترى أكثر من 3 بوصات. وقد تصل درجات الحرارة إلى الأربعين خلال النهار بينما تهبط ليلا إلى درجة التجمد.

باختصار، إنه مكان مثير للسخرية كي تجري فيه أي حفلة أو تجمع ثقافي. وهذا الأمر يدركه المشاركون في الإقامة هنا لكن مشاركتهم معا في الصراع من أجل الحصول على الراحة والبقاء، تجعلهم يكسبون تجربة فريدة ويرتبطون بعضهم بعضا بأواصر قوية.

وتدفع مدينة «الرجل المحترق» المشاركين إلى حدود تجربة غريبة، حيث يتم إنجاز إبداعات كثيرة ومتميزة جدا. وهذا ما يجعلهم يرغبون في التحدث عنها بعد عودتهم إلى مدنهم كثيرا مما جعل البعض يظنون أن المشاركين ينتمون إلى مجموعة قريبة إلى أن تكون طائفة دينية ما.

لكن المشاركة في مراسم «الرجل المحترق» السنوية لا تتطلب أي إيمان محدد أكثر من كونك ترغب في أن تعيش هذه التجربة. وأفضل طريقة لفهمها هو أن تعيشها وأن تشارك في بناء بيوتها وأن تتذوق حلوها ومرها.

ويبدو أن تطور هذا المهرجان خلال السنوات الماضية، جاء بسبب ما يوفره للفرد من التصرف بشكل تلقائي، ووفقا للنزوات وهو شيء غير متوفر كل يوم في الحياة الأميركية. إنه لأمر ممتع ومجدد أن تعيش في عالم حتى ولو بشكل مؤقت، حيث يكون المعيار الاجتماعي السائدة هو كوننا جميعا نمر بوضع غريب وصعب. وبغض النظر عن مدى سخف ذلك وطابعه الشخصي، فنحن نريد أن نعبر عن ذلك.

وإذا بدا ذلك عبثيا جدا، فأخبر ذلك الشخص الذي يصنع أجهزة لضرب الطائرات من مسافة مئات الأقدام إلى السماء.

ما يمكن القول عن مدينة «الرجل المحترق» هو أن ظاهرة أميركية بحته. فحارقو الدمية الخشبية يذهبون إلى تلك المنطقة القاسية من أجل الحصول على الحرية وطريقة عيش جديد، إنه مكان لغريبي الأطوار كي يكونوا أنفسهم. إنه مهرجان ذو طابع رأسمالي في جوهره، فهناك تباع البطاقات للحفلات والنشاطات الفنية والمشاركون لا يستطيعون أن يعيشوا في «اقتصاد الهدايا»، إلا إذا كانوا قد ادخروا ثروة كبيرة خارج هذا العالم. لكن العيش قاس مع تلك الرأسمالية. إذ يتطلب فردية قادرة على التحمل، لأن عليك أن تجلب كل شيء تحتاجه كي تبقى حيا، مع ذلك عليك أن تساعد الآخرين في آن واحد. إنه مكان أمريكي في أحسن أحواله. إذ يمكنك هناك أن تصوغ هويتك، وأن تعتمد على نفسك وعلى الجماعة، من دون أن تقلق كثيرا تجاه ما يفكر الآخرون حولك.

* خدمة «واشنطن بوست»