متحف بغداد يغلق أبوابه.. خوفا من اللصوص

في محاولة لحماية الآثار المتبقية من النهب

TT

قبل ان يستقيل من منصبه كرئيس لهيئة الآثار والتراث في العراق، قام دوني جورج بمحاولة يائسة أخيرة في الصيف الحالي لحماية الآثار التي يعود تاريخها الى خمسة آلاف سنة. فقد أمر بإغلاق ابواب المتحف الوطني بالكونكريت أمام عمليات النهب المستمر للكنوز القديمة.

وقد ظل جورج مديرا للآثار العراقية فترة طويلة في عهد صدام حسين، ولاحقا في عهد الحكومة الحالية التي تقودها الأحزاب الشيعية، ثم غادر البلاد وأرسل استقالته أوائل أغسطس (آب) الحالي، كما اكد مسؤولو وزارة الثقافة يوم السبت الماضي.

وقال جورج، المسيحي العراقي، الذي حذر العالم من اعمال النهب وكشف اخفاق الزعماء العراقيين والقوات الأميركية في حماية المتحف والمواقع الأثرية، ان هناك ضغوطا متزايدة من جانب مسؤولين من الأحزاب الشيعية الحاكمة للتأكيد على التراث الاسلامي وتجاهل الحضارات الأقدم التي تمتد الى بابل وما قبلها. ونقلت عنه «صحيفة الفن» البريطانية قوله ان «كثيرا من الأشخاص أرسلوا الى مؤسساتنا، بان نهتم بالمواقع الاسلامية فقط وليس بتراث العراق الأقدم».

كما اشتكى من نقص التمويل لحماية المواقع الأثرية المنتشرة في كل أنحاء العراق. وابلغ الصحيفة بأن 1400 من حراس الآثار المدربين سيبقون بدون رواتب ابتداء من سبتمبر (أيلول) المقبل، كما انه لم تخصص اموال أخرى لحماية الأماكن التي تعود الى الحضارة السومرية قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وهي جزء من مواقع البلاد الأثرية التي تبلغ 11 ألف موقع.

وقال ماغواير غيبسون، الخبير بآثار بلاد ما بين النهرين في معهد الاستشراق بجامعة شيكاغو «أستطيع ابلاغكم بأن الوضع في ما يتعلق بالآثار مروع. وكان هناك اهتمام كثير بنهب المتحف في الأيام الأولى التي ابتدأت فيها الحرب. ولم يتوقف ذلك. ويستمر نهب المواقع وبينها اهم المواقع السومرية».

وخلال الأسابيع التي سبقت الغزو ساعد غيبسون على حماية تراث العراق من القصف الأميركي، ولكن ليس من عمليات النهب التي جرت في أعقاب انهيار نظام صدام حسين، حيث هجم رعاع على مباني الحكومة ونهبوا كل ما وقعت عليه ايديهم، بل وأحرقوا بعض المواقع اثناء الفوضى العامة التي سادت بغداد ومدنا اخرى، في وقت كانت فيه القوات الأميركية تراقب أعمال النهب ولم تفعل شيئا.

وفي وقت الغزو كان المتحف الوطني يحتوي على ما لا يقل عن 170 ألفا من القطع الأثرية، نقل بعضها الى أماكن اخرى لحمايتها قبل اندلاع أعمال العنف. ويُعتقد ان ما لا يقل عن 11 الف قطعة سرقت من المتحف في الأيام التي أعقبت دخول القوات الأميركية الى بغداد في التاسع من ابريل (نيسان) 2003.

وأمرت وزارة الثقافة بإغلاق المتحف ولم تعلن عن خطط لاعادة فتحه. وينتصب المتحف، الذي تحيطه الأعشاب، خلف بوابات معدنية وأكوام من أكياس الرمل والأسلاك الشائكة. وكان الحراس القلقون يحملون المسدسات وبنادق الكلاشنيكوف واقفين عند البوابة الأمامية يوم السبت الماضي، مؤكدين أن المدخل الأمامي للمتحف مغلق. وقال جورج انه تصرف على مسؤوليته عندما امر باغلاق أبواب المتحف الصيف الحالي، قائلا انه «السبيل الوحيد لضمان أمن المتحف». ويقول زملاء له انه انتقل مع عائلته الى سورية.

وقال مسؤولون في وزارة الثقافة تحدثوا مشترطين عدم الاشارة الى اسمائهم، ان حيدر فرحان، وهو عضو في حزب شيعي، أصبح مديرا بالوكالة لمجلس الآثار والتراث إثر مغادرة جورج. وابلغ جورج صحيفة «الفن» ان فرحان لا يتمتع بخبرة في هذا المجال. وعبر مسؤول في وزارة الثقافة عن ارتيابه في ذلك القرار، قائلا ان فرحان موظف شاب في الوزارة لديه درجة ماجستير في المخطوطات الاسلامية.

وقال غيبسون «اذا كانوا الآن ينشئون خطا اسلاميا للآثار فليفعلوا ذلك. لا يتعين عليهم الحاق الضرر بالآثار ما قبل الاسلامية. فالدمار الذي حدث جراء أعمال النهب منذ 2003 لا يمكن تعويضه. لقد خسرنا مواقع بأسرها».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»