الصينيون تفننوا في عمل الشاي وطريقة «الكونغ فو» وسيلة للتأمل

أنواع تصل أثمانها إلى 50 ألف دولار للرطل الواحد

TT

تجمع 6 رجال في غرفة الاجتماعات في اتحاد تشاو تشيو في الطابق الثالث في شارع «كنال ستريت» بالحي الصيني في نيويورك، حول طاولة للعب «الألغاز» والاطلاع على الصحف واحتساء الشاي بنفس الطريقة التي يشربونها في الوطن «الكونغ فو».

ووضع لويس ترونغ، وهو وكيل سفر متقاعد، في ابريق شاي من الخذف صغير في حجم حبة اليوسفي كمية من الشاي المفضل لديه. ويستخدم ترونغ وهو في السادسة والثمانين من عمره نفس ابريق الشاي منذ اكثر من 40 سنة. وينقع الشاي لمدة خمس ثوان قبل صبه بحركة دائرية، ثم يضيف الماء للابريق مرة بعد الاخرى باستخدام نفس اوراق الشاي.

ويحتسي الرجال كل كمية من الشاي في فناجين صغيرة الحجم لا يزيد عرضها عن بوصة واحدة. والمشروب المركز يتميز بمذاق محمص، ولكن الرائحة مثل رائحة (الكراميل). ولا بد من الاشارة الى ان كونغ فو، في الثقافة الصينية تعني اكثر مما يفعله الممثل بروس لي في الافلام، فهي تشير الى أي شيء يتطلب الممارسة الى حد الكمال. وبالنسبة للشاي الصيني تعني ذلك معرفة انواعه معرفة تامة، والتحكم في فن النقع المتعدد وتقدير انواع المذاقات الناجمة. وتقاليد شاي كونغ فو مستمرة بين المهاجرين الصينيين، الا ان عشاق الشاي في الولايات المتحدة بدأوا في استكشافه ايضا.

ويوضح سابستيان بيكويث مؤسس شركة «البحث عن الشاي» لاستيراد الانواع المتخصصة قائلا «هذه طريقة لاعداد الشاي تستخدم الكثير من اوراق الشاي وفترة نقع قصيرة.. هي وسيلة تهدف لتركيز المذاق».

لماذا كل هذه الضجة بخصوص مذاق سريع الزوال؟ يتعلق الأمر بأوراق الشاي. فشاي «IRON GODDESS OF MERCY» هو من نوع اولونغ، ويعتبر واحدا من اكثر انواع الشاي تعقيدا في الصين، ويتميز بتعدد اصنافه.

وتعد افضل انواع اولونغ باستخدام اوراق الشاي كاملة ويختلف طبقا للنوع والصانع والمنطقة. ويمكن ان يصل سعر واحد من افضل انواع الشاي «IRON GODDESS OF MERCY» الى اكثر من مائتي دولار للرطل الواحد، الا ان الاسعار تتراوح. وافضل انواع شاي اولونغ التايواني التي تنمو في المناطق الجبلية يمكن ان يصل ثمنها الى 50 الف دولار للرطل الواحد. وتوضح ويني يو صاحبة محل «teance tea» في كاليفورنيا «هذا شاي الذواقة، وهو مثل الاستماع الى سيمفونية عظيمة، فهناك العديد من الاشياء التي يمكنك تقديرها».

واكتشاف هذه الفروق الدقيقة هو التحدي الحقيقي، فمهما كانت ندرة الشاي، فهو تحت رحمة الشخص الذي يعده. وهنا يأتي دور كونغ فو، واسلوب اعداد الشاي، الذي يرجع الى جنوب الصين، في تطور الكشف عن امكانيات وقدرات شاي اولونغ. ويبدأ اعداد شاي كنغ فو بمعدات متخصصة. وتقول ويني يو، لكل شيء استخدام، فابريق الشاي هو جوهر الاعداد، ولا يزيد حجمه على حجم كرة التنس، والبعض منها لا يزيد حجمه عن حجم حبة «عين الجمل» والابريق مصنوع من طين مسامي خاص يمتص جوهر اوراق الشاي. واوضحت «نخصص ابريقا معينا لنوع معين من الشاي، وهذا هو السبب وراء احتفاظ اشخاص مثل ترونغ بإبريقه طوال العمر، ثم يأتي دور غلي وتركيز الشاي وتذوقه. ويجلس بيكوث مع كين لو وهو من نيويورك في الثالثة والخمسين من عمره ويعتبر نفسه «فنان شاي» ودرس مع خبير في اعداد الشاي من مواليد تايون طوال 12 سنة الماضية.

ويعد لو، بمهارة، العديد من انواع شاي اولونغ الفاخر بطريقة كونغ فو. ولكل نوع يعد درجة حرارة ماء مختلفة، وكمية مختلفة من اوراق الشاي وفترة النقع، بل وحتى سرعة الصب، كيف يعرف ذلك بالضبط؟

ويرد «الموسيقى الصينية التقليدية لا تعتمد على ضبط التوقيت الموسيقي، لا يمكنك معرفة طبيعة الشاي عن طريق الدقة والعلوم». وقدم لو عبوة اطلق عليها اسم «فنجان الشم» وهو عبارة عن انبوب من البورسلين طوله ثلاث بوصات وعرضه بوصة واحد. ويصب لو الشاي في «فنجان الشم» ثم يصبه على الفور في وعاء صغير للتذوق.

وقال بيكويث «هذا الشاي يتعلق بالمذاق والرائحة، وعندما برد فنجان الشم انتشرت الرائحة. ووضع لو «فنجان الشم» تحت انفه وهزه لاخراج البخار المحتوي على الرائحة ثم اخذ نفسا، وابعد الفنجان لكي يزفر، وكرر العملية اكثر من اربعين مرة لكل نوع من انواع الشاي، ووصف الرائحة التي شمها: حليب، زبدة، سكر محروق، عسل، فانيلا، برقوق.

وتزداد مميزات اوراق الشاي مع كل «نقع»، ويتطور المذاق والرائحة معا ايضا. وشرب شاي اولونغ بهذه الطريقة هو عملية دقيقة. ويوضح كين لو الامر بقوله «يمكن لنوع واحد من انواع الشاي ان يمنحك مئات من الخبرات المميزة». ويمكنك ممارسة وتنفس الشاي كوسيلة للتأمل. وبعد مرور ساعتين وصلت عملية تذوق الشاي الى نهايتها. واغلق كي لو عينيه وتراجع للخلف في مقعده وقال «لا شيء اخر يقترب من تلك التجربة».

* خدمة «نيويورك تايمز»