30 قصة تتحدث عن الإنسان والمهنة والمكان

«عيون» من مكة والمدينة تعرضها العربية في رمضان

TT

من هواية جمع الطوابع لدى الشيخ علي ملا، مؤذن الحرم المكي الشريف، إلى سوق الطباخين الشهير في المدينة المنورة ـ الذي يضم أكثر من 40 مطبخا للوجبات السعودية التقليدية ـ الرابط واحد، بيد أنه بعنوانين: عين على مكة، وأخرى على المدينة، تواصل عبرها قناة العربية إكمال سلسلة «عيون» سابقة بدءا من بغداد والإمارات والبحرين وعُمان والسعودية بشكل عام، وفي عرض يستمر طوال شهر رمضان، الذي سيهل بعد أيام قلائل. وتجيء فكرة إعداد تقارير رمضانية خاصة عن أبرز معالم ومكونات العاصمة المقدسة مكة المكرمة وطيبة الطيبة، تم اختزالها بمحبرة و «زووم» الإعلامي والمخرج العراقي نوفل الجنابي، الذي أعد وأخرج ما سبقها من عيون على مدن منطقة الخليج. وفي شكل قصص خبرية «فيتشر»، تتراوح مدتها بين أربع إلى ست دقائق، تحكي قصة إنسان أو مكان أو طبيعة بشرية.

يقول الإعلامي الجنابي، إن فكرة إعداد 30 حلقة خاصة بشهر الصيام كانت «بعد انفجار الوضع في لبنان، توقف البرنامج الذي بدأنا عرضه «عين على السعودية»، بسبب انشغال القناة بالأوضاع هناك، حيث كنا نعمل على إنجاز تسعة تقارير وقصص ما بين مكة والمدينة».

ويُكمل حديثه «وعندما أرسلت ما تم إنجازه من حلقات إلى دبي ـ المركز الرئيسي للقناة ـ وشاهدها عبد الرحمن الراشد «رئيس قناة العربية» اتصل بي وطلب إعداد 30 حلقة لعرضها خلال شهر رمضان، وبواقع 15 حلقة من كلا المدينتين». ويصف الإعلامي العراقي تجربته في إعداد الحلقات بالمفيدة والمفاجئة بالنسبة له، حول بعض الخصوصيات الحجازية في كل من مكة ويثرب، مبيناً أن التقاط الأفكار كان يأتي متسلسلاًُ من خلال بعض القصص التي ولدت لديهم قصصا جديدة. ويوضح الجنابي المتخصص في علم الجرافيك، بقوله «حين بدأنا تصوير حلقة عن الخطوط المنقوشة على رداء الكعبة، تعرفنا على حديقة الخطاطين التي يبدأ تجمعهم فيها للتعلم والتدريب منذ سن الخامسة لأغلبهم، وهكذا كانت الأفكار تفتح نوافذ على أفكار جديدة».

ولم تكن تلك الطريقة الوحيدة في التقاط مواضيع حلقات «عين على مكة» و «عين على المدينة» فقط، بل كان، أحياناً، مجرد المشي بين الطرقات، والتصوير ساعتها لأكثر من ثلاث ساعات يومياً، أحد وسائل استنباط أفكار جديدة لمواضيع تنوعت في تناول أماكن لها أبعاد تاريخية وزمنية، وأناس من أصحاب المهن الشبيهة ببياعي مشروب «السوبيا» الرمضاني، وغيرها.

وتعتمد القصة الخبرية في تكوينها من مشاهد مصورة وتعليق صوتي ولقاءات، بالإضافة إلى توفير مخزون من المعلومات، أرقام وإحصائيات، حول موضوع القصة، كمرحلة أولى. بينما يتركز العمل في المرحلة الثانية والنهائية في عملية المونتاج من تركيب الصوت على الصورة المناسبة «الصورة يجب ألا يتجاوز توقيت عرضها على الشاشة أكثر من ثانية ونصف الثانية، حتى لا يصاب المشاهد بالملل» ، وتوزيع آراء الشخصيات على مدار مقاطع العرض، بالإضافة إلى فنون الجرافيك، والموسيقى التصويرية. ويعتقد نوفل الجنابي بأن العلاقة بين النص والصورة في العمل الإعلامي المرئي جدلية في المقام الأول. ويرى المخرج العراقي، الذي ارتبط بعلاقة قديمة بعدسة الكاميرا، حتى حينما كان صحافياً، أنه لا يمكن الاستغناء عن طرف مقابل آخر، بل في إيجاد معادلة توازن بين «صديقين لدودين».

وعند سؤاله ما إذا استطاع تحقيق التوازن المطلوب، اجاب «بعد عامين من التقلبات، خاصة وأنا أهتم للغاية بلغة النص، استطعت الوصول إلى إيقاع يحفظ النص والصورة، من دون تعارض».

كما يرى الصحافي نوفل، الذي يبلغ عمره المهني نحو 27 عاماً قضاها متنقلاً بين حرارة الصحافة وبرودة التلفزيون، أن كيمياء العمل المرئي لجذب المشاهد لا بد أن تقوم على التفاعل البشري، الذي يتكون من «أربعة عناصر رئيسية أهتم أن تتوفر لإحداث التفاعل المُمكن للمشاهد مع العرض، وهي حب وكراهية ورضا وود، لها ارتباط بالناس من خلف الشاشة، وتتفاعل في علاقة ليست ارتجالية». وتجدر الإشارة إلى أن الإعلامي العراقي نوفل الجنابي بدأ سلسلة عيون العربية على مدن وعواصم منطقة الخليج من بغداد، في فترة يصفها بـ«الصعبة بسبب الأوضاع الأمنية، كانت فترة إعداد الدستور والانتخابات التي تقام للمرة الأولى في جو ديمقراطي، وكذلك في عز الفوضى والتهديدات من الجماعات الإرهابية».

وبالعودة لتجربته في المدن السعودية، والخلاصة التي خرج بها الجنابي عن علاقة السعوديين مع الكاميرا، فهي بحسب رأيه لم تخرج عن شكلين لخصها في أربع كلمات «رفض مُطلق أو غرام جنوني».

وعن أحد المواقف التي واجهته وفريقه خلال التصوير، يقول «أتذكر في إحدى المرات، وجدنا أحد الأشخاص ورغبنا في أخذ رأيه حول موضوع الحلقة.. فوجئت أنه اشترط للحديث معنا أن يتحدث افراد عائلته جميعهم، الذين بمجرد الموافقة خرجوا الواحد تلو الآخر من سيارة جيب عائلية كانوا يستقلونها، وبلغ عددهم نحو عشرة أفراد من شبان وأطفال ونساء». ورغم إعداد الإعلامي الجنابي، الذي غادر بلاده قسراً إلى كل من الكويت وكندا وهو في سن 17، لأكثر من 50 حلقة وفيلما وثائقيا، إلا أن حلقته عن «مقهى الزهاوي» الواقع في أحد الأحياء الفقيرة في بغداد هي الأغلى والأقرب لنفسه، كونه لا يفضل التحضير المسبق للأمور.

ويقول «لأنه حوار بسيط، وفي مقهى فقير يقع خلف الأسواق في أحد الشوارع العامة، ويوصف بأنه من مقاهي القاع، ولكنه يجمع أُناسا حوارهم كان أرقى من أعلى الطبقات لصدقه وبساطته وارتجاليته».

ولأنها تحتوي على البساطة التي تعد من أهم عناصر الفكرة القصصية للمخرج الجنابي، فهو يؤمن بأن وصل نبض غائب عن الإعلام هدفه ومراده، ويعتبر المنهج في المثل القائل «الفن هو اكتشاف للمعلوم» هو ذات منهجه في عرض صوره على العالم.

ولأبو أرفد ـ كما هو معروف بين أصدقائه وزملائه ـ قصة يظل يتذكرها بألم، وتبدأ عند وصوله الأول لمدينته بغداد، التي هجرها بعد قصيدة نشرت له، وهو في سن 17، عندما لم يتذكر موقع المنزل الذي عاش فيه طفولته، وكذلك لعدم تعرف أخوته عليه عند وصوله للمطار.

ولكنه رجل يبدأ يوم عمله كل صباح بدعاء «اللهم لا تفقدني متعة العمل» ما زال متفائلاً بتحسن الأحوال في مدينته وبلاده. ويستمر في ممازحة ابنه أرفد بتوريثه كتباً وخطوطا عربية وسبع قطط وأواني مزخرفة لا تساوي بضعة دولارات، وحلقات صور فيها الإنسان والمكان والزمان.