المسحراتي يعود إلى أزقة بغداد رغم الظروف الأمنية

مع غياب السهرات الرمضانية والألعاب

TT

في بغداد، مثلما في غالبية المدن العربية الاسلامية، تكون لشهر رمضان تقاليده المميزة، والتي تغير بعضها بفعل الحياة المعاصرة وبفعل الظروف الأمنية السيئة بالنسبة للعراق، فبينما يتداخل صوت انفجار القنابل والسيارات المفخخة مع مدفع الإفطار، فان العوائل العراقية تجتمع مع بعضها لتناول طعام الإفطار، او ان تجتمع العائلة كلها وقت الافطار. لكن التقليد الذي كاد ان يغيب في رمضان الماضي هو صوت المسحراتي، مع طبلته وهو ينادي بأعلى صوته الصائمين لتناول طعام السحور. ومع رمضان الحالي عادت طبلة المسحراتي الى أزقة بغداد رغم استمرار الأحوال الأمنية الصعبة التي تدفعه الى اقتصار وجوده بعيد منتصف الليل في مناطق محددة حفاظا على سلامته.

ويطوف المسحراتي بين الأماكن السكنية في ساعات متأخرة من الليل لإيقاظ الصائمين قبيل حلول صلاة الفجر، ليتمكنوا من تناول وجبة السحور وهم يستعدون لاستقبال يوم رمضاني جديد. وعادة ما تكون المناطق الشعبية الأحياء التي يتحرك فيها المسحراتي الذي يعرفه سكانها، وتكون لكل مسحراتي منطقته المحددة التي لا يجب ان تخترق من قبل مسحراتي آخر، حيث يتم تقسيم المناطق بصورة تلقائية فالمسحراتي يكون ابن المنطقة ذاتها التي يتحرك خلالها، ولتكون مكافئته في اول ايام عيد الفطر من قبل عوائل المنطقة. وبدأت هذه الأحياء في رمضان الحالي تشهد حضور المسحراتي برفقة ثلاثة من اصدقائه لمساعدته في عمله، فضلا عن بث روح الطمأنينة في نفسه في تلك الساعات. ويقول الموظف الحكومي حسين محمود، 38 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية «شيء جميل الاستماع الى المسحراتي ينادي الصائمين لإيقاظهم، كما نشعر بمتعة شهر رمضان ولياليه عبر جولته بين المناطق السكنية».

ويضيف «لم يتبق لنا سوى صوت المسحراتي بعدما فقدنا السهرات الجميلة التي كنا نقضيها خلال ايام رمضان قبل ان ترغمنا الظروف الامنية ومخاطر التفجيرات على ان نلزم منازلنا، مفضلين عدم الخروج حتى الى أماكن قريبة». ويقوم المسحراتي بالطرق على طبلة صغيرة يحملها الى جانب مناداته بعبارات يألفها الصائمون «قم يا نائم وقم يا صائم». وكان العراقيون وخصوصا في بغداد ومناطقها الشعبية القديمة كالفضل والأعظمية والكاظمية والشواكة والكرادة، يمضون سهرات رمضانية تمتد الى ساعات متأخرة من الليل في المقاهي والمطاعم التي تشتهر بالمأكولات الشعبية.

وللعام الثاني على التوالي، تغيب تلك السهرات الرمضانية وتغيب معها الألعاب الشعبية التي تشتهر بها وبينها لعبة «المحيبس» الشهيرة. يقول كريم عبد الحسين، وهو متقاعد يبلغ من العمر 60 عاما «كنا نمضي ساعات طويلة في المقاهي الشعبية في مناطقنا السكنية، لكن الآن اختلف الأمر بسبب الاوضاع الامنية القلقة فضلا عن ساعات حظر التجول التي بسببها نفضل البقاء في المنازل نحيي تلك الليالي وسط أجواء عائلية». وكانت المقاهي الشعبية في مناطق بغداد تتصدرها أواني الحلويات التقليدية في هذا الشهر والتي يطلق عليها «الزلابية» و«البقلاوة»، تستقطب عددا كبيرا من محبي لعبة المحيبس، ويتكفل الفريق الخاسر في اللعبة تحمل تكاليف تلك الحلويات التي توزع بعد نهاية اللعبة على الجميع من دون استثناء.

ويجلس الفريقان المتباريان بشكل متقابل، ويخفي أحدهما الخاتم (المحبس) بينما يقوم احد اللاعبين المعروفين بخبرته باكتشاف المحبس وإخراجه من قبضات الفريق المقابل. ويضم الفريق الواحد اكثر من 20 شخصا، مما يزيد من اللعبة إثارة ومتعة محورهما تخمين مكان تخبئة المحبس. وتفضل معظم العائلات البغدادية في الاعوام الاخيرة البقاء في منازلها خشية التعرض الى احتمالات خطرة، بعدما اعتادت في الاعوام السابقة على تبادل الزيارات وتقديم كل عائلة الى الاخرى نوعا من الاطعمة المحببة في الشهر وخصوصا الحلويات. ومن الشوارع الشهيرة بمطاعمها والتي كانت تستقطب العراقيين لتناول وجباتها الشهيرة كالسمك في الامسيات الرمضانية، شارع ابو نواس الذي أصبح مهجورا وغابت عنه المحلات المتخصصة ببيع السمك المسكوف.