حمامات السوق العامة تستعيد أهميتها في رمضان

لها تاريخ حافل وبعضها رمم حديثا

TT

للحمامات الشعبية العامة التي يطلق عليها «حمامات السوق» تاريخ طويل في سورية، يعود الى عشرات السنين، ولكن عدد هذه الحمامات انحسر الى حد كبير مع تطور نمط الحياة وانتشار السخانات الكهربائية في المنازل، ولكن رمضان أعاد بشيء من الاهتمام بهذه الحمامات التاريخية التي تتميز حمامات السوق بطراز معماري معين تغلب عليه الأقواس والدهاليز والسقوف الملونة.

وفي منزل الحاجة أم نوري ـ عاملة سابقة في إحدى الحمامات ـ استرجعت «الشرق الأوسط» مع الأخيرة ذكرياتها البعيدة، إبان عملها ورائحة «صابون حلب» وصابون «حبة الخضرة» ما زال عالقا في الذاكرة عندما كانت تحضرها لزائرات الحمام من السيدات والفتيات. وقد تركت أم نوري عملها بعد أن تقدم بها السن وألزمتها الظروف الصحية وبلوغ أولادها مبلغ الرجال بالبقاء في المنزل، وتقول «إن فوائد الحمام كثيرة لأنه يخرج الأوجاع والآلام التي تصيب المفاصل والعظام، والذي يرغب بالعلاج عليه البقاء في الحمام ساعات طويلة..».

وتؤكد أم نوري أن مهمة الحمامات لم تقتصر على الاستحمام والاغتسال لأغراض صحية ودينية فحسب، بل تناولت وظائف أخرى، حيث أنها اعتبرت كأماكن تجمعات يتبادل فيها أبناء الحي شتى ضروب الأحاديث إضافة إلى التجمعات في المناسبات الاجتماعية المتعددة كحمام العروس والعريس وحمام النفيس والطهور والأربعين.

وتنقسم حمامات السوق بشكل عام إلى ثلاثة أقسام الأول: البراني ويقال له القسم البارد وهو الخارجي من الحمام ويتألف من منصة واسعة اصطفت من حولها المصاطب وتتوسـطها فسقية جـميلة، كما فرشت أرضه بالبساط والسجاد. ولكل مصطبة خزانة أو أكثر صماء بدون أبواب، وذلك لخلع الملابس بداخلها أو تعليق الألبسة على مشاجب خشبية. وأسفل المصاطب توجد فتحات في الجدران على شكل طاقات لوضع القباقيب، وإلى جانب باب الحمام الرئيسي (المدخل الرئيسي) توجد مصطبة المعلم (تخت المعلم) لاستقبال الزبائن ووضع الودائع والأمانات عنده، حيث يحتفظ بصندوق خشبي مقسم إلى أقسام متعددة من أجل الودائع. ويوجد في معظم الحمامات في البراني المقصورات الخشبية وهي أحياناً أغلى إيجاراً. أما السقف فيتخذ عدة أشكال، والغالب أن عقود الأقواس التي تنصب على جدران البراني الأربعة تنتهي إلى رقبة انتظمت منها النوافذ علتها قبة واسعة توزعت فيها فتحات زجاجية ملونة، وأحياناً يكون الجزء الأعظم على هيئة قبة أسطوانية والجزء الذي أمام الباب على شكل قبة.. ومن سقف القبة تتدلى السلاسل لتعليق المشكاوات والفوانيس. أما القسم الثاني من الحمام فهو الوسطاني ويسمى بالقسم المعتدل، ويشمل على كافة الخدمات من استحمام وإزالة الشعر بمقصورة النورة (الأوضة) ودورات المياه. أما الساحة فهي أصغر من ساحة البراني. وبعض الحمامات في الوسطاني تحتوي على ممر لبيت النار بجانبه إيوان به مصطبة لراحة المستحمين، وتحيط بالوسطاني الخلوات، منها ما تكون على هيئة أواوين مكشوفة أو مقاصير غرف، وتعلو المقاصير قباب ذات قمريات كما توسطت الساحة قبة واسعة. أما القسم الثالث من الحمام (الجواني) وهو القسم الحار ويشبه الوسطاني، فيحتوي على أواوين للاغتسال ومقاصير خاصة..وتتوسطه مصطبة بيت النار التي يجلس عليها المستحمون.

ومن أشهر الحمامات القائمة في العاصمة دمشق حمام نور الدين الشهير في سوق البزورية، وقد أنشئ في عصر نور الدين بن زنكي، وهو كغيره من الحمامات مؤلف من البراني المشلح والوسطاني الفاتر والجواني الحار ومن خزان للمياه وقميم لوقد النار من أماكن الخدمة، وقد رمم وأصبح سياحياً. إضافة إلى حمام الملك الظاهر بجانب المكتبة الظاهرية. أما حمام القيشاني فله قبة مزينة بالزخارف الحديثة العهد.

كما تزين مدينة حلب كوكبة من الحمامات الشهيرة أبرزها حمام يلبغا الناصري، الذي يقع بجوار قصر العدل، وقد بناه الأمير يلبغا الناصري الذي توفي سنة 1487م، وقد أعيد ترميمه حديثاً مع مطلع الثمانينات، ويعتبر من أجمل حمامات حلب، ويدخل إليه عبر ممر متكسر إلى المشلح البراني، حيث اصطفت المصاطب على الأواوين الأربعة بفرش عربي رائع وثبتت من فوق المصاطب المشاجب، وإلى الداخل الخزائن لوضع الملابس وأشياء المستحم، كما رصفت الأرض بالحجارة المتناوبة وتوسطتها فسقية مثمنة الأضلاع.