أسبوع باريس للموضة .. بين العاطفة والعقل

باريس: جميلة حلفيشي

TT

بعد أسبوع هادئ إلى حد البرود في ميلانو، باستثناء عروض قليلة خلفت صدى طيبا نذكر منها عرضي ديسكارد والثنائي دولتشي آند غابانا، انتقلت الأنظار والآمال هذا الأسبوع إلى باريس التي برهنت مرة اخرى انها فعلا عاصمة السحر والأناقة بلا منازع. ففي الوقت الذي ركزت فيه كل من نيويورك ولندن على العملي الذي يباع، ورجعت فيه ميلانو إلى الماضي لتغرف منه بلا قيد او شرط، فإن باريس احتفلت بالأنوثة والرجولة في الوقت ذاته، كما اهتمت اكثر بالتصميم الهندسي الذي يعتمد على فكرة فنية بدءا من المصممة اليابانية المخضرمة، ري كواكوبو، القوة المحركة وراء ماركة «كوم دي غارسون» إلى جون غاليانو مرورا بجون بول غوتييه. ري كواكوبو، كما هو معروف عنها، لها رؤية خاصة جدا تعطي الانطباع ان التسويق آخر همها، لكن الحقيقة ان هذه «اللامبالاة» الفنية هي التي تجعل الأنيقات يجرين وراءها، بل هي التي جعلتها مرجعا للعديد من المصممين الشباب الذين الهمتهم وتعلموا على يدها من أمثال جونيا واتانابي، التي ظلت وفية لمدرستها وقدمت ما لا يقل جمالا عن عرض معلمتها. فإذا كانت الأولى قد ارسلت العارضات في أزياء هندسية ومدروسة في تفاصيلها، لكن تبدو وكأنها غير مكتملة وتحتاج إلى من يعيد حياكتها في دلالة واضحة على ما يجري من أحداث في العالم، فإن الثانية هي الأخرى أرسلت عارضات بوجوه بيضاء وألوان باهتة وتسريحات شعر معقدة تستحضر فيلم وقصة ماري انطوانيت، لكن من حيث الشكل فقط، لان نساء واتانابي، كما تراهن، لا يمكن ان يكن ضحيات بأي شكل من الأشكال. القاسم الآخر المشترك بينهما، كواكوبو وواتانبي، لعبهما، أو بالأحرى تلاعبهما، بمفهوم التوازن والازدواجية. فالتنورة البالونية الشكل تم تنسيقها مع تايورات ضيقة، أو قميص بكشاكش كثيرة مع تنورة طويلة بطيات أو درابيه مع حزام عريض مهمته أن يجعل الزي يبدو متماسكا، تماما مثل الدور الذي يقوم به في قطعة الكيمونو التقليدي. لكن في حين ركزت كواكوبو على خلق توازن بين القوة والرومانسية في عرض «كوم دي غارسون» ، لعبت واتانابي على مفهوم الرجولة والأنوثة وتداخلهما من خلال جاكيتات طويلة وقمصان بياقات عالية وبنطلونات ضيقة ومجموعة «توكسيدو» أضفت عليها الحواشي المصنوعة من الحرير والدانتيل نعومة. على نفس نغمة تداخل الأنوثة والرجولة لعب الثنائي فكتور آند رولف، فهنا ايضا كان التوكسيدو قطعة مهمة للمرأة بعد ان تم تأنيثه من خلال التفاصيل والاكسسوارات. والحقيقة ان عرضهما، إلى جانب عرض جون بول غوتييه، كان إلى حد الآن الأكثر إثارة من حيث الإخراج، على الأقل، حيث تخللته رقصات حملت الحضور إلى أجواء حفل فخم من الأربعينات، خصوصا بعد ان أصيب البعض بنوع من الصدمة او خيبة الأمل من جون غاليانو الذي عودنا على عروض تتميز بإخراج مسرحي مبهر وازياء لا تقل إبهارا أو فانتازية، وقدم في المقابل عرضا هادئا ومجموعة جد كلاسيكية بمقاييسه، لانه حسبما صرح به «ابتعدت عن العواطف واعتمدت على العقل». لذلك ارتأى ان يفاجئنا بعرضه. جون غاليانو لم يسافر بعيدا هذه المرة ليبحث لنا عن الجديد ويقدم المتجدد، بل ظل مكانه واكتفى بإرث الدار التي ينتمي لها منذ قرابة عشر سنوات، وهو ما جاء واضحا في تشكيلته، التي بدأها بمجموعة من التايورات، المكونة من جاكيتات بأطوال مختلفة، وتنورات وحقائب يد باللون الرمادي، رمز دار ديور، وتخاطب المرأة الناضجة في المقام الأول. لكن ولحسن الحظ سرعان ما تغير الإيقاع وبدأت العارضات يتهادين في فساتين سهرة في غاية الرومانسية والدقة شفع له هدوء العرض وغياب الفانتازيا عنه. أما مشعل المفاجأة فقد حمله جون بول غوتييه الذي يحتفل بمرور ثلاثين عاما كمصمم من خلال عرض سريع عاد فيه إلى ارشيفه من الثمانينات، الحقبة التي عرفت أوج تألقه مع مادونا والكورسيه المشهور الذي ظهرت به على المسرح.