«شمس بيروت» تسطع في باريس مع المصمم إيلي صعب

TT

لا يكتمل أي عرض من عروض الأزياء من دون إخراج وموسيقى وإضاءة وغيرها من الامور، فهو لا يقتصر على جهود المصمم ومدى إبداعه ولا على رشاقة العارضات ومهارة فناني الماكياج. ومما لا شك فيه ان نجاح كل عنصر من هذه العناصر يعطي إحساسا ممتعا بمثابة الحلم خلال العرض وقد يترك صدى طويلا بعده، لذلك خطر ببالي كم كان جميلا لو استعان المصمم إيلي صعب بأغنية داليدا الشهيرة: «حلوة يا بلدي.. قلبي مليان بحكايات.. حلوة يا بلدي..». وبلا شك كان سيضيف نقطة إضافية لما حصل عليه من نقاط كثيرة، خصوصا أن زبوناته الوفيات كن حاضرات وسيفهمن معانيها. الفكرة الأساسية التي اعتمدها العرض هي تقديم تحية لبيروت مغزولة بالذهب ارادها إيلي، كما قال «قصيدة تتغنى بنهضة لبنان، هذا البلد الذي انهكته الحرب»، وتعلم أبناؤه كيف يحولون التراب إلى ذهب. لكن ربما كان إيلي يريد ان يوصل رسالته هاته بطريقة أكثر هدوءا بعيدا عن الوطنية والحماس العاطفي، وهو ما نجح فيه إذا كان حجم تلقي الجمهور للتشكيلة هو المقياس، لا سيما أنه لم يثقلها بالمعاني السياسية وظل وفيا لأسلوبه وما تريده زبوناته منه. هذا عدا ان عروض الأزياء والرسائل السياسية قلما تنجح «تجاريا» وتحتاج إلى فنية عالية تستعمل فيها الرموز أكثر من الخطابات الرنانة. إيلي يعرف هذا الامر بفطرته، لذلك ما قدمه يوم الأحد الماضي في قاعة اللوفر بباريس كان يحمل رسالة حب وأمل، تختلف تماما عما قدمه جون غاليانو لدار كريسيتان ديور، على سبيل المثال، العام الماضي من أزياء تستحضر العصر الدموي لماري انطوانيت أو اللون الأحمر في إشارة واضحة لأحداث الشغب التي عرفتها فرنسا آنذاك، فتشكيلة صعب، على الأقل، تتكلم لغة الأناقة، التي يتقنها جيدا. وفي الوقت الذي كانت فيه كل التفاصيل محسوبة ومحيكة بدقة إلا أن إرساله سربا مكونا من 55 قطعة بنفس اللون، كان مغامرة كبيرة، بلا شك، تحتاج إلى الكثير من الجرأة والشجاعة، وهما صفتان لا يمتلكهما معظم المصممين، إن لم نقل كلهم، لسبب بسيط ان النتيجة ليست دائما مضمونة. فاللون الواحد، وحتى التصميم الواحد، يمكن ان يصيب الحضور بالملل أو بالالتباس، أو فقط بعمى الألوان، مما قد يغطي على الإبداع ويجعل كل الجهود وسهر الليالي في خلق تشكيلة متنوعة في تفاصيلها، تتبخر مع الهواء، بحيث تبدو كل التصميمات متشابهة. لحسن الحظ لم يحصل هذا الأمر في هذه الحالة، لأن إwيلي بضربة معلم قدم تشكيلة قوية برسالة قوية. تشكيلة أطلق عليها اسم «شمس بيروت» وأرسل عارضاته فيها، بماكياج بذرات من ذهب وبخطوات فيها الكثير من عنفوان المرأة وقوتها، في فساتين رائعة بأطوال تتباين بين القصير والطويل وتصميمات متنوعة لعب فيها على الدرابيه والبليسيه والضيق الذي يعانق الجسم في مقابل المنفوخ في بعض الأكمام «الوطواطية» الشكل أو التنورات. ولم يضاه هذا التنوع سوى تنوع الأقمشة، التي غلب عليها الحرير والأرغانزا والشيفون والموسلين إلى جانب التطريزات التي كادت تكون شبه منعدمة في باقي العروض التي شهدتها باريس لربيع وصيف 2007. أما القاسم المشترك في هذا العرض الغني، فكان اللون الذهبي، المطفي واللامع على حد سواء، باستثناء بضعة قطع تعد على أصابع اليد تتماوج باللونين البيج والبني، لكن حتى هنا فإن الاكسسوارات الذهبية، وعلى رأسها الحقائب الضخمة، أوحت بأنها من نفس فصيلة اللون الذهبي. وحتى إذا كان هناك أي انتقاد أو مأخذ على هذه التشكيلة، فإنه ذاب بمجرد ان شرح ان فكرة «الذهب» أو الشمس، لم تولد إلا بعد الأحداث التي عرفتها لبنان، مشيرا إلى انه كان قد أشرف على الانتهاء في معمله من تشكيلته للموسمين المقبلين بنظرة مختلفة تماما كانت الغلبة فيها للألوان الغنية والمتوهجة بدرجات البنفسج والزهر والمشمشي والأزرق.

لكن اندلاع الأحداث وما ترتب عنها جعلته يغير رأيه بعد مغادرته باريس عائدا الى لبنان حيث قرر تطليق هذه الألوان، وإن أكد أن غيابها لا يعني له «الحداد اطلاقا» ويجب ألا يعطي هذا الانطباع، فاللون الذي اختاره يسطع بالقوة والأمل ويرمز لطاقة شعب بيروت ودفئه، وهذه هي اساسا فكرة اللون الذهبي، إلى جانب انه استوحى تصميم العديد من الفساتين من المغنية داليدا التي مثلت فترة السبعينات، الفترة التي كانت نصب عيني إيلي، كما قال حين بدأ في تصميم هذه التشكيلة، حتى قبل اندلاع الأحداث التي مر بها بلده، وهنا أيضا ستكون أغنية «حلوة يا بلدي» جد ملائمة.