معرض ياباني في نيويورك يحول اللغة المجردة إلى منظورة

يبين تأثير الحداثة والغرب منذ بداية القرن التاسع عشر على الدولة الآسيوية

TT

معدن الميكا هو الذي يمنح القمر لونه الشاحب، وقشرة البيض هي التي تعطي الالوان رونقها، والسخام هو الذي يزيد اقدم انواع الحبر سوادا. الاعمال الفنية الغريبة هنا تنكشف من خلال لفائف ورقية تظهر عليها رسومات ترجع الى 13 قرنا، فهناك خيوط العنكبوت الدقيقة، او الأفيال الضخمة او فنون الاباحية او اعمال وحشية او اصداف وقواقع البحر او حتى الانفجارات النووية.

ونعتقد اننا نعرف الكتب معرفة جيدة، ويذكرنا مدخل مكتبة نيويورك العامة، المكان الذي يقام فيه المعرض، بقيمتها واهميته. وفي التقاليد العظيمة للغرب فإن الكتاب هو حجر الاساس الذي تقام عليه المعلومات. ولكن اذا ما عبرت بهو الاستقبال نحو قاعة العروض الرئيسية في المكتبة، فسيتكشف لك شيء آخر.

فبالرغم من ان صناديق الكتب المعروضة ستبدو واضحة للوهلة الاولى، فسرعان ما تتحول التوقعات الى دهشة. فمعرض «ايهون: الفنان والكتاب في اليابان» يكشف عن تقاليد متناوبة لتعلم القراءة والكتابة. والمعرض، مثل كل المعارض الجيدة والرائعة، يفتح امامنا ابواب عوالم جديدة.

ايهون، وتعني باليابانية «الكتاب التوضيحي»، الا ان الرسومات هنا ليست للاطفال. وليست اكسيسوارات للنص، بل هي تجعل اللغة المجردة منظورة. كما ان العديد من هذه الكتب ليست عبارة عن مجموعات من الاعمال الفنية المقصود عرضها. وفي الواقع فهذه النوعية من الكتب، بدلا من تقديم روايات او فحص المعلومات التراكمية مثل النصوص الغربية العظيمة، تقدم شيئا مختلفا.

فهي لا تسعى للكشف عن السرمدي، ولكن تمييز العابر، والامساك بنسيج الخبرة. فهناك كتاب لصور لجبل فوجي، لفيفة بطول غرفة تصور المشي مع مجرى النهر، ودليل لكيفية رسم الزهور واوراق الشجر، وسجلات لأول مواجهة مع الغرب في القرن التاسع عشر، بل وكتاب يعرض محتويات معاصرة بمناسبة صدمة للقرن العشرين وهي القاء القنبلة النووية على هيروشيما.

وقد عمق المسؤول عن المعرض روجر كيز، وهو عالم زائر متخصص في شؤون اسيا الوسطى في جامعة براون، الاحساس بعالم تصوري متبدل برفض تجميع محتويات المعرض التي يصل عددها الى 227 طبقا للتسلسل التاريخي او لنوعيتها. وبدلا من ذلك تم تجميعها في ثلاثة اقسام: السماء والارض والانسانية وهي النطاقات الثلاث لـ أي تشينغ.

وفي ظل هذه التجمعات، فإن الموضوع يربط بين الكتب داخل واجهات العرض: الانشغال بالجبال او الجسور او القمر او حياة الاسرة. وفي بعض الاحيان يصبح الاطر هو الاساس، حيث يظهر كيف تخزن او تجمع الكتب. واسلوب العرض هذا مثير، حيث يتشابك العصر والاهتمام معا، ويقدم لنا الاستمرارية عبر القرون.

وتجدر الاشارة الى ان كل الكتب المعروضة تأتي من مجموعة ايهون الخاصة بالمكتبة، والتي تعتبر واحدة من اهم المجموعات في العالم وربما واحدة من اقلها شهرة. واشار كيز الى ان بعض الاعمال نادرة لدرجة انها غير معروفة لليابانيين.

غير ان المجموعة ليست نتاجا لاندماج التراث الثقافي عبر السنوات. وربما لان هذه الكتب تركز على ما هو زائل فإن اهميتها في اليابان محدودة، مع تأثير الحداثة والغرب منذ بداية القرن التاسع عشر. والمجموعات كانت متوفرة ورخيصة. ويشير العالم بيتر كورنيكي في كتابه «الكتاب في اليابان» انه في عام 1879 دفع مسافر سويدي مبلغا لكمية من الصحف اليومية اكثر مما دفعه لكتاب يرجع الى 1296. وقد اشترى المتحف المجموعة بهبة خاصة حصل عليها في القرن التاسع عشر.

وبالاضافة الى ذلك، فإن اقدم الاعمال المعروضة هي في حالة جيدة للغاية، وقال كيز ان معدلات بقاء الكتب في اليابان اقل منه بكثير بالمقارنة بالكتب الغربية، فهي لا تخزن في مبان حجرية ضخمة، ولكن في معابد خشبية وقصور معرضة للحرائق. ولكن كما اشار كورنيكي، فإن الكتب والوثائق التي نجت من الدمار بقيت على حالة جيدة لانه ابتداء من القرن الثامن كان يتم عرض الكتب في الهواء الطلق بصفة منتظمة لبقائها خالية من الحشرات والرطوبة، وتخزينها في صناديق خشبية رائعة التصميم.

ويتعمق هذا المناخ المميز المحيط بهذه الاعمال الفنية، بموضوعاتها. وواحد من هذه الكتب المعروفة باسم ايهون «منحة الجزر» 1798 تظهر قواقع متبقية بعد انحسار المد مصحوبة بقصائد، وتكشف الياف الورق تموج المياه وملمس القواقع. وثراء المعرض يترك كل من يزوره متأثرا بعمل او اخر، بما فيها الكارتونات والرسومات للفنان كاتسوشيكا هوكوساي. فهذا الفنان اقام حفلا للرسم ذات ليلة عام 1812 تمكن خلالها من انتاج 364 عملا ـ الآثار المتلاشية لعصر متلاشي ـ التي تم جمعها فيما بعد تحت عنوان «كاريكاتير هوكوساي» وربما ما يشعر المشاهد بالإحباط هو عدم القدرة على قلب صفحات هذه الوثائق المصورة، وهو ما يكشف عن مزيد من الاعمال الساحرة.

المعرض في مكتبة نيويورك مستمر حتى 4 فبراير (شباط) المقبل.