«الصويرة» المغربية تتحدث جميع اللغات العالمية

السياح لا يغادرونها حتى في فصل الشتاء

TT

بطيور النورس التي لا تكف عن التحليق فوق أمواج البحر الهادرة والسياح القادمين من مختلف ربوع المعمور، تبدو الصويرة تحت قطرات المطر مثل قطعة من إحدى الدول الاسكندنافية بمقاهيها المنتشرة على طول ساحة مولاي الحسن ونوارسها التي تنعشها حبات المطر، فتحلق بعيدا من الأرض حتى تكاد تخرق السحب الحبلى بالماء والتي تغطي السماء بوشاح رمادي. تشبه الصويرة كلية لتعلم اللغات الحية، فالعديد من سكان المدينة يتقن لغة أجنبية أو أكثر، بل حتى باعة الحلي التقليدية والألبسة الصوفية يتحدثون بالفرنسية والإنجليزية أو يلقون بها التحية على الأقل، وبينما كانت الأمطار تغسل شوارع الصويرة اقترب أحد التجار من سائحين أوروبيين وسألهما بعد إلقاء التحية باللغة الانجليزية «من أين جئتما؟»، فأجاب السائحان ببساطة من اسكوتلندا، فقال لهما مازحا «في بلدكما مأكولات جيدة»، ويعني المشهورة مثل سمك السالمون المدخن. ضحك السائحان لكلامه، قبل أن يردف التاجر «أهل الصويرة أناس منفتحون، قد لا يعرفنا الجميع في هذا العالم، لكننا نعرف الجميع ونتحدث لغات الجميع».

العديد من الأوروبيين استقروا بالصويرة، واشتروا منازل قديمة وأدخلوا عليها بعض الإصلاحات ليقضوا بها اياما هادئة بعيدا عن ضوضاء المدن الكبرى وقساوة الحياة الأوروبية التي تخلو من الدفء الإنساني، إنها مدينة الفنانين المهووسين بسحر الطبيعة والكتاب الباحثين عن السكون وسرقة لحظات لتأمل الكون وإعادة عجنه على طريقتهم الخاصة، وهكذا وفي الوقت الذي يختفي فيه السياح من عدة مدن مغربية بمجرد ما تقرر السماء الشروع في إنزال المطر، فإن الأوروبيين يظلون موجودين في جميع أزقة الصويرة لا يغادرونها أبدا.

«لقد مضى الوقت الذي كان فيه الفراغ يغزو أزقة الصويرة خلال بعض شهور السنة، فالإنترنت سهل كثيرا ذيوع صيت المدينة وقدوم أفواج متتابعة من السياح الذين يحزمون حقائبهم قاصدين مدينة النوارس».

يقول أحد شبان المدينة الذي يشتغل في بيع اشرطة موسيقى كناوة، قبل أن يضيف «قد تجد في هذا الدكان الصغير آخر الأشرطة التي ظهرت في أوروبا وبأثمنة مناسبة، لأن السياح الذين يأتون من مختلف ربوع المعمور يجلبون معهم جميع أنواع الأشرطة الموسيقية وأمنحهم بدوري آخر ما جادت به قريحة أشهر معلمي موسيقى كناوة والموسيقى الافريقية». تغير الصويرة الكثير من طباعها في فصل الشتاء، فتبدو مدينة أكثر هدوءا ورومانسية، إذ أنه تحت خيوط المطر الذي ينهمر فوق الطاولات شبه الفارغة يلجأ السياح إلى الطاولات الداخلية ويطلبون شايا بالنعناع أو قهوة ساخنة، يلبس بعضهم لباسا غريبا ويضع قبعات أوروبية وأحيانا يتكلمون عدة لغات على نفس الطاولة، بينما ينزوي آخرون في ركن قصي ويفتحون قصة لآغاثا كريستي أو غارسيا ماركيز، ويستغرقون في التهام سطورها غير مكترثين بنرفزة السماء التي فقدت أعصابها فجأة وراحت تصب جم أمطارها على مدينة لا تشبه غيرها.