التلفزيون ليس فقط للمشاهدة.. العلاقة معه متبادلة وتفاعلية

25 مليون منزل في 12 ولاية أميركية تحدد ما تريد من برامج

TT

عندما غادرت غيل سميث متجهة الى جزيرة غوام الاميركية أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي لتسلم عملها هناك كمدرسة للكومبيوتر، لم تتغير كثيرا تجربة مشاهدة التلفزيون التي تركتها وراءها في فلورانس بولاية ساوث كارولاينا، ربما منذ بدايات ظهور التلفزيون كوسيلة إعلام. فباستثناء استعمال جهاز التحكم من بعد (ريموت كونترول) والفيديو، ظل روتين التعامل مع التلفزيون كما هو: تشغيل الجهاز والاستلقاء على مقعد مريح والاسترخاء. لدى عودتها الى الولايات المتحدة من جزيرة غوام، غرب المحيط الهادي، بعد حوالي 15 عاما هناك، شعرت غيل سميث بالدهشة إزاء التغييرات التي حدثت فيما يتعلق بالتلفزيون، وقالت ان الأمر تغير وبات مختلفا تماما ولم تعد مشاهدة التلفزيون استرخاء وخمولا لساعات كما كانت عليه الحال في السابق.

شأن كثير من الاميركيين، تستأجر غيل جهازا لتسجيل اشرطة الفيديو بغرض تسجيل برامجها المفضلة، كما بوسعها ايضا الاختيار من بين مئات الأفلام عند الطلب. غيل سميث واحدة من 160 ألف من مشتركي «تايم وورنر» يعيشون ما يعتبره البعض «المستقبل الذي سيكون عليه التلفزيون»، إذ ان غيل لا تختار فحسب ما تريد من برامج، بل تختار ما ترغب في التركيز عليه في الأخبار والبحث عن معلومات خاصة او شخصية وأيضا التركيز بل حتى تحديد الأجزاء التي تريد التركيز عليها بعمق والمرور السريع على برامج او حتى حذفها من قائمة ما تريد مشاهدته. فعلى سبيل المثال، بوسع غيل اذا كانت بصدد مشاهدة «سي ان ان» او «سي ان بي سي» اختيار مقاطع فيديو صغيرة تتضمن آخر العناوين الرئيسية للأنباء او الاخبار الاقتصادية وأخبار السوق، تمام كما تفعل عندما تتجول في شبكة الانترنت وتنتقي ما تريد الاطلاع عليه وتهمل ما لا ترغب فيه. إلا ان هذا النوع من خيارات المشاهدة جعلها تفكر في ما اذا كانت هناك تقنيات انتقاء اضافية تجعل المشاهدين اكثر تحكما في ما يريدون مشاهدته. مستقبل التفاعل بين المشاهدين والتلفزيون ظل مدار أحاديث على مدى سنوات وظهرت الكثير من الوعود الطموحة التي ماتت لاحقا خلال السنوات القليلة الماضية. إلا ان ما يزيد على 25 مليون منزل في الولايات بات بوسعها الآن التفاعل مع اجهزة التلفزيون بغرض تحديد ما تريد مشاهدته من برامج. إذ بات بوسع المشاهدين في 12 ولاية، من المشتركين في شركة «ديش نيتويرك» التي تعمل في مراهنة سباق الخيل، وهم أمام شاشات التلفزيون يشاهدون برامجهم المفضلة. كما اصبح بإمكان المشتركين في خدمات شركة «تايم وورنر» التصويت لشخصياتهم المفضلة في منافسات البرامج التلفزيونية من خلال ضغط زر فقط على الريموت كونترول. واعتبارا من الشهر المقبل، ستسمح «أي اس بي ان آيزون» للمشتركين في خدمات «ديش نيتويرك» بتلقي الأخبار الرياضية متى ما أرادوا بدلا من الانتظار حتى قدوم موعد «سبورتس سينتر». كما سيقدم «ديزني تشانيل غيم زون» ألعابا للأطفال تشارك فيها الشخصيات المحببة والمعروفة لديهم. ولكن لا تزال هناك مجموعة من العقبات الواجب إزالتها قبل تقديم عروض جديدة. بعض هذه العقبات فني وبعضها الآخر يتعلق بالعادات. كما ان ثمة سؤالا يتعلق بما اذا كان الزبائن يرغبون بالفعل في هذا النوع من الخيارات الجديدة. ربما تكون فكرة التفاعل بين المشاهدين والتلفزيون قد ظهرت منذ الأيام المبكرة للتلفزيون كوسيلة إعلام، إذ كان معجبو برنامج Winky Dink and You للأطفال، الذي بث مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي، يرسلون للحصول على طقم من الألوان الخاصة وقطعة فاينيل بلاستيكية للمشاركة في نشاط للرسم يلصق فيها الأطفال «شاشة الرسم السحرية» على التلفزيون بغرض رسم بعض ما حدث لوينكي. وربما يتذكر أطفال منطقة نيويورك خلال عقد السبعينات المنافسات التي كانوا يشاركون فيها ويكافأ الفائزون فيه بتقديم الدعوة لهم للمشاركة في ألعاب فيديو على الهواء.

من المؤكد ان مساعي وجهود جعل جهاز التلفزيون أكثر تفاعلا مع المشاهدين قد قطعت أشواطا بعيدة وبات اكثر تقدما وتطورا بمرور السنوات. فقد بات بوسع بعض المشاهدين المشاركين في «كيو يو بي اي» بكولومبوس في ولاية اوهايو بطلب افلام سينمائية للمشاهدة المنزلية وأيضا الإدلاء التجريبي للأصوات بشأن مقترحات بلدية المدينة، وحتى في المشاركة في بعض المزادات. وفي عام 1994 وصلت خدمة «تايم وورنر» الكاملة الى اورلاندو بولاية فلوريدا، وهي الفترة التي ازدادت خلالها الطلبات على الأفلام وأشرطة الفيديو والألعاب. الآن، كما تقول سوزان موراي، استاذة الثقافة والاتصال بجامعة نيويورك، ربما اصبحنا نشاهد التلفزيون «على نحو لا يجبرنا على الانتباه، وربما نستخدمه كخلفية صوتية او مجرد رفيق في المنزل عندما يكون الشخص لوحده. وفي أحيان اخرى ربما نصبح أكثر تفاعلا مع برامج محدد عندما يكون الانتباه مشدودا لهذا البرنامج بغرض التعرف على خلفياته ومرجعياته الثقافية والفوارق الدقيقة في حبكة البرنامج وتطور شخصياته». ويبقى القول ان الابتكارات الجديدة في مختلف مجالات التكنولوجيا، وعلى وجه التحديد التكنولوجيا الرقمية، ستساعد دون شك على توسيع دائرة هذا التفاعل وتساهم في تحويل بعض النشاطات من شاشات الكومبيوتر الى شاشات التلفزيون، إذ سيصبح بوسع هواة مسابقات مثل Who Wants to Be a Millionaire ان ينقلوا المسابقة الى التلفزيون ويلعبونها مستخدمين الريموت كونترول.

* خدمة «نيويورك تايمز»