الفن الإسلامي للجميع

خزف وأقمشة مطرزة وسجاد وعاج

TT

حدائق المغول في كشمير كانت عملا معماريا يمزج بين الحركة والضوء. فمياه الهيمالايا تجرى عبر قنوات تشق هذه الحدائق ثم تصل الى صمامات على طول السلالم ثم تصعد الى نوافير ثم تنزل مرة اخرى الى برك وأحواض. وفي كل مرحلة يعكس نظام التصريف والتوزيع المائي الضوء ودورات فصول ومواسم العام والأيام والليالي. خطرت هذه الصور بذهني عندما زرت في الآونة الأخيرة معرض Cosmophilia: Islamic Art From the David Collection, Copenhagen بمتحف ماكمولين الفني بكلية بوسطن. قفزت هذه الصور الى ذهني لأن بعض الأعمال المعروضة تعكس فترة المغول، وأيضا بسبب حيوية وجاذبية أعمال المعرض. وتعكس مختلف الأعمال الفنية المعروضة، من خزف وأقمشة مطرزة وسجاد وعاج وقطع معدنية منقوشة، ثقافات اسلامية من العراق الى افريقيا والصين واسبانيا. اذا تركنا السياسة جانبا ـ اذا استطعنا اصلا ان نضعها جانبا، لا سيما في ظل الخوف والاستياء على الجانبين: الإسلام والغرب ـ يمكن ان يبين التنوع والبعد الجغرافي السبب وراء بقاء فن العالم الاسلامي بعيدا عن دوائر جمهور الفن في الغرب، وأيضا صعوبة رؤية هذا الفن والإطلاع على تفاصيله. ويعتبر معرض Cosmophilia: Islamic Art From the David Collection, Copenhagen واحدا من عروض نادرة لمواد فنية اسلامية «كلاسيكية» في الولايات المتحدة، على الرغم من ان الاسلام نفسه يتصدر صفحات الصحف.

الى جانب التباين والبعد الجغرافي هناك اسباب اخرى، بعضها حقيقي وبعضها الآخر غير صحيح. فمن الصحيح ان غالبية فن العالم الاسلامي انتج لاستخدامه بصورة عملية ويشكل تحديا لتفريق الغرب بين الفنون الجميلة والتصميم. ولكن هناك ايضا ما هو غير صحيح، وهو الزعم الذي يذهب اصحابه الى ان كل الفن الاسلامي ذو صبغة دينية، إذ يقول الواقع ان غالبيته علماني النزعة. من الادعاءات غير الصحيحة ايضا ان رسم الأشخاص، وهو الدعامة الاساسية للفن في الغرب، محرم في الاسلام، إلا ان صور شيوخ الصوفية الموجودة في مختلف المزارات والمراقد في مختلف المدن الافريقية تبين اختلافا في الفهم. يتضمن المعرض عددا من لوحات مرسومة للعديد من الشخصيات من علماء يعتمرون عمامات في اصفهان في القرن السابع عشر، الى سيدة مبتسمة تحمل زهرة. يمكن القول ان الزخرفة عنصر مشترك، وهو عنصر يمكن ان يقوم على اساسه تعريف واسع للفن الاسلامي. وهذا الجانب يمثل على الأقل حجة معرض ماكمولين، إذ تعني كلمة Cosmophilia «حب الزخرفة». وينظم هذا المعرض كل من شيلا بلير، استاذة الفن الاسلامي في كلية بوسطن وجوناثان بلوم، استاذ الفن الاسلامي في جامعة الكومنولث بفيرجينيا. وكان بلوم هو الذي تفاوض بشأن اقتراض 123 قطعة من مجموعة سي. ديفيد الموجودة اصلا في متحف صغير في الدنمارك. موضوع هذه الأعمال الفنية ليس بجديد. إذ تناولته متاحف اخرى، فضلا عن ان الانتاج الفكري الذي احتوى بطريقة او بأخرى على هذه القضية هائل، إلا ان ثمة لإعادة استكشافها بغرض الوقوف على الأبعاد التي يمكن ان تضفيها على مختلف القضايا ذات الصلة بجوهر وسياق هذا الفن زمانا ومكانا، فضلا عن اتاحة الفرصة مجددا لتوضيح مدى الجمال غير العادي لهذا الفن. المسلم الذي قد يكون لديه تحفظات تجاه الرسم والتصوير ربما يرى ان الجمال الوحيد في هذه الأعمال يكمن في مخطوطات ولوحات الخط العربي. تحتوي الأعمال المعروضة ايضا على صفحة من مصحف بخط يدوي مذهب من تونس يعود تاريخه الى القرن العاشر، الى جانب آية قرآنية حيكت على قماش يمني، وصفحة من مصحف مخطوط من منطقة آسيا الوسطى، وهذه اكبر الصفحات حتى الآن من حيث الحجم، إذ يقارب حجمها مساحة شاشة التلفزيون الكبير الحجم. فن الهندسة والزخرفة العربية فن غير غربي بالطبع، في الغرب نريد فننا ان يذهب الى أنحاء العالم الاخرى وأن يساهم بشيء، ذلك ان الانتاج الفني دون حركة وحيوية يؤدي الى الملل. أما بالنسبة للفنان المسلم يتحرك داخل مدار مختلف متناغم مع الحركة الدائرية وثابت في الوقت نفسه.

هذا ما يمكن ملاحظته في الحديقة الكشميرية التي يعود تاريخها الى القرن السابع عشر، إذ يمكن فهم مختلف أبعاد هذا العمل الفني الذي يعكس الحديقة الكشميرية داخل المتحف اذا عرف الشخص ما يبحث عنه على وجه التحديد، العالم كنسيج مشع دائم الحركة ودائما ما يخفي شيئا خلف تلك الحركة: الفضاء، الزمان، الاله او طاقة الحياة، سمها كما تشاء، فالفن يعطيها شكلا محددا حتى لو اختلفت اسماؤها.

*خدمة «نيويورك تايمز»