الأسواق خاوية وبعض الجامعات والمدارس أقفل وإقبال كثيف على الهجرة

الحرب النفسية تشلّ حياة اللبنانيين

TT

لا تنبئ الأجواء العامة المسيطرة في لبنان الا بدخول أبنائه، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخهم، في نفق مظلم سيعانون فيه بالتأكيد أكثر مما عانوه في الحرب الاسرائيلية الأخيرة. ما يعلمه هؤلاء لا يتعدى العيش في حالات التشنج والتعب النفسي وشلل الحياة الاجتماعية، التي تكبل أيامهم وتحول دون ممارسة نشاطاتهم اليومية بشكل طبيعي. البرنامج اليومي مقتصر على العمل وتأمين الحاجيات الأساسية مع التقيد الشديد بمبدأ «خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود».

الأسواق التي كانت في هذه الأوقات من كل عام تعج بزبائنها خلت اليوم الا من الذين لا تتعدى مشترياتهم الحاجيات الغذائية، التي يكثرون منها مخافة أن يأتي يوم لا يستطيعون فيه الحصول عليها.

التلاميذ الذين تغيب معظمهم يوم المظاهرة رغم فتح المدارس أبوابها بدوام جزئي، فضل أهلهم ابقاءهم في المنازل. كذلك الجامعات التي أقفلت أبواب، التي تنتمي اداراتها الى فريق المعارضة، قرر طلابها الذين يشكلون النسبة الأكبر من «المسيسين» عدم الحضور، خصوصا مناصري فريق 8 مارس (آذار) الداعي للتظاهر، الى حين اتضاح الصورة العامة.

ما حصل الصيف الماضي يتكرر اليوم. المهاجرون اللبنانيون لن يزوروا وطنهم، ليمضوا الأعياد مع عائلاتهم، وذلك بأمر من أهلهم الذين يطلبون منهم، رغما عن رغبتهم في لقائهم، البقاء بعيدا، خاصة مع انتشار شائعات تنبئ بخطر اقفال المطار بين ليلة وضحاها، لذا فمن كان قد قرر المجيء ألغى حجزه وبقي في بلد آخر. من جهة أخرى تزايد طلب الحصول على تأشيرات سفر وتضاعفت أعداد المتقدمين بطلبات للهجرة من الشباب والعائلات اللبنانية، الذين انضم معظمهم الى قافلة العاطلين عن العمل. أما من كان مستقرا في الخارج وعاد مؤخرا الى لبنان فهو نادم على فعلته متمنيا أن يعود الزمن به الى الوراء كي يعدل عن قراره.

كذلك عمد غالبية اللبنانيين عشية اعلان بدء الاعتصام المفتوح الى سحب كميات من أموالهم مع التقيد بالحد الأقصى للمبلغ المسموح به، الذي حددته ادارات المصارف، خوفا من أن يؤثر ذلك على صرف الليرة اللبنانية.

تعذر المعالجة النفسية الدكتورة منى شراباتي اللبنانيين في تصرفاتهم وسلوكياتهم، التي تدل برأيها على صدمات متتالية عاناها اللبنانيون منذ عام 1975، ولم يرتاحوا من آثارها النفسية لغاية اليوم، «يعيش اللبنانيون في حالة تأهب دائم، كلما استرجعوا أمل العيش بسلام، عادت النكسات ونغصت أيامهم، فنراهم يعانون حالة احباط دائمة. كلما جمعوا قواهم النفسية واستعدوا للتخطيط لمستقبلهم لدخول مرحلة جديدة من حياتهم يعود كل شيء وينكسر...».

وتضيف شراباتي: «الوضع اليوم في لبنان أخطر من أي وقت مضى، فالاحباط وطأته أكبر على الشعب الذي يعيش حرب شائعات تكبل حياته وتمنعه من التمتع بحياته بشكل طبيعي». تكمن برأي شراباتي خطورة الوضع هذه المرة في أن لبنان «لم يكد يخرج من الحرب الاسرائيلية التي جمعت أبناءه ضد عدوهم، وبعثت الأمل في نفوسهم حتى رأوا أنفسهم أمام حرب نفسية وشائعات بحدوث حرب أهلية تنسف كل الآمال التي بنيت على هذا التوافق».

ولا تستثني أي فئة من اللبنانيين من هذا الوضع فالجميع يعاني هذه المأساة، كل بحسب حالته ووضعه الاجتماعي، «الأسس التي يبنى عليها المجتمع السليم والمتمثلة بالأمن والسلام والطمأنينة مفقودة في لبنان، ما يسبب عيش اللبنانيين حالة يأس مزمنة لا دواء لها، رغم اصرارهم على المقاومة وتمتعهم بغريزة الحياة أكثر من أي شعب آخر».