جنود بيئيون مجهولون يصارعون من أجل البقاء

قصة كفاح تبدأ من السلحفاة الخضراء إلى السوسنة السوداء

TT

لم يكونوا يرتدون بدلات التوكسيدو الفاخرة بربطات العنق السوداء. ولم تكن اجواء الاحتفال باذخة، كما في حفل الاعلان عن سيارة جديدة او عطر آخر.

هؤلاء جاءوا من بلدانهم الى دبي لتسلم منحا مالية تشجيعية من بضعة آلاف دولار من شركة اميركية تصنع سيارات، لا من هيئة حكومية او منظمة دولية.

وفي اجواء احتفال بسيط، جلس هؤلاء وتبادلوا همومهم مع بعضهم بعضا، ومع من يفهمهم، فيما كانت أسماؤهم تتلى للصعود الى المسرح لتسلم الشيك والتقاط الصور التذكارية الى ان ينفضّ السامر. وفيما تسيطر على الشارع العربي هموم السياسة والمعيشة، وتتصدر اخبار الازمات والتفجيرات الانتحارية نشرات الاخبار، بقيت البيئة آخر الهموم حتى مع بدء ظهور وزارات وهيئات عديدة في العالم العربي تعنى بالهم البيئي المستفحل. وفيما تجف عشرات الانهار والينابيع ـ أو جفت اصلا ـ عبر انحاء العالم العربي، وفيما الصحراء تزحف باستمرار ملتهمة ما تبقى من اراض قابلة للزراعة، يقف نفر من المتطوعين هنا وهناك للحفاظ على بعض ما تبقى من حيوانات ونباتات وأنواع احيائية متنوعة، معتمدين على جهود ذاتية بحتة.

من هؤلاء الاردني أحمد محمود جبر الشريدة الذي قال إن فريق العمل الذي يعاونه على البحث عن النباتات المهددة بالانقراض عبر سهول واودية الاردن هم اولاده الاربعة! الشريدة الذي حصل من شركة «فورد» ليل السبت الماضي على منحة بقيمة الف دولار على مشروعه البيئي «محمية حديقة منزلية للنباتات البرية الزهرية الأردنية النادرة»، قال انه أفنى عمره في البحث عن ازهار اغلب الظن انها انقرضت؛ ومنها ازهار السوسن الأسود التي عثر عليها أخيرا في أحد المرتفعات شمال الاردن. ويقول الشريدة بحماس انه نجح بجهوده الخاصة في تحويل نصف دونم من حديقة بيته الى بيت آمن لهذه النباتات والازهار النادرة بل وأسس ايضا بنكا جينيا لها للحفاظ عليها من اجل الاجيال القادمة. اكثر الجنود البيئيين المجهولين تحمسا وايمانا بجدوى العمل الفردي، كان السوري محمد جوني الذي حصل من «فورد» على منحة بقيمة 4500 دولار عن مشروعه الطموح «دراسة وحماية السلاحف البحرية على الساحل السوري». جوني قال بافتخار انه كان اول من زرع جهاز تعقب عبر الاقمار الصناعية على ظهر سلحفاة خضراء مهددة بالانقراض في منطقة الشرق الاوسط. ويقول جوني انه كان وراء الاهتمام العالمي بأهمية الساحل السوري كموطن للسلاحف الخضراء المهاجرة بعد النتائج التي توصلت اليه دراسته عام 2004 حول أعشاش السلاحف على الشواطئ السورية وبشكل أكثر تحديداً على شواطئ محافظة اللاذقية حيث بيّن المسح أن الشاطئ السوري هو موطن مهم لأعشاش السلاحف الخضراء وسلاحف كاريتا كاريتا. كما تم تسجيل ظهور سلحفاة جلدية الظهر بالقرب من مرفأ اللاذقية في العام ذاته.

الا ان عمله التطوعي لم يكن مفروشا بالورود على ما يبدو بل واجهته الكثير من العقبات البيروقراطية في بلده الى ان تمكن من فرض وجوده محليا ودوليا بنتائج الأبحاث التي توصل اليها. حالة جوني والشريدة حازت إعجاب لجنة التحكيم المستقلة وتشجيعها، فيما يصارع كثيرون من رجال البيئة المتطوعين من اجل البقاء في انحاء العالم العربي للاعتراف بجهودهم ونتائج ابحاثهم المهمة التي لا تزال في أدنى سلم اهتمامات معظم الحكومات العربية. ومن المشاريع الاخرى، التي فازت بمنح «فورد» العام الحالي، مشروع إعادة التدوير الذي قدّمته الجمعية العمانية للبيئة ومشروع «التعليم والتوعية بالمحافظة على المياه في المدارس» الذي قدّمته جمعية حماية البيئة السورية، ومشروع «إنشاء محمية طبيعية وطنية»، قدمته جمعية مدى اللبنانية ومشروع «كيفية تحويل المخلفات المنزلية إلى سماد طبيعي» الذي قدمه إبراهيم حميد علي محسن من البحرين.