«القافلة» تطارد فلول 2006 بالدعوة إلى الضحك بجدية أكبر

يوما بدون ضحك.. هو يوم ضائع!

TT

في عدد لخص بعناية واضحة ولماحية لافتة ظواهر مستترة تحت جلد الشارع العربي من الماء إلى الماء، وأخرى نافرة حد الوجع من القلب وصعودا حتى العقل، تغلق مجلة القافلة في عددها الجديد دفتي أبواب عام 2006 من دون أن تنسى أن الحياة وإن كانت عصية عن الفهم أحيانا، إلا أنها تستحق في مقابل عصيانها المستفز أن نسخر من لؤمها الأزلي بنكتة لاذعة في نهاية الأمر، وأن نركل أصعب لحظاتها وأكثرها توترا بالضحك حد الاستلقاء، فيوم بدون ضحك.. هو يوم ضائع، ولا يجدر الاحتفاء به في رزنامة سنين العمر.

وكعادة خط سير القافلة التي تصدر عن (شركة أرامكو السعودية) ألقت برحال كلماتها وصورها في ست محطات فكرية وثقافية جديدة تراوحت في توازن ملحوظ بين قضايا عربية ومحلية وأخرى عالمية وأممية بدأت في طرق ناقوس البطالة وتقريب زوم عدسة الكلمة باتجاه حبات العرق المجمدة إلى حين تغير المشهد في سوق العمل العربي. وانتهت إلى همسة خفية تحمل دعوة مفتوحة لممارسة (الضحك) بجدية أكبر ليس لأن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الضاحك المضحك فحسب، بل لكونها أبسط لغة عالمية مطلقة الانتشار، لا تعترف بحواجز اللغات أو جغرافيا المكان والزمان.

ليتفرغ بعدها فريق التحرير لمهمة دوزنة عقول أكثر من 60 ألف عنوان تصلهم مجانا خلاصة رحلة 60 يوما مضنية، لتقبل أمشاج تبدو مختلطة بين سماوات زفير (عصا) قائد الأوركسترا الملهم، وجذور رحلة الرعب في أفلام هوليوود أو بين تفاصيل التبشير بـ (الثقافة الثالثة) لفك النزاع بين العلوم الإنسانية والتطبيقية وبين الحاجة إلى حفر صورة ذهنية كاملة عن (البورصة) وبيان إسهام سوق الأسهم في اقتصادات العالم والأفراد المنغمسين في لعبة الاستثمار المحفوف بالمخاطر.

وحملت مقالات القافلة وزواياها الثابتة (عدد فبراير وديسمبر) مساجلات فكرية تستحث على التوقف عندها لإعمال آلة التفكير والاستنباط. واللافت أنها ظهرت في مجمل الأقلام المشاركة سواء كتاب العدد أو مشاركات القراء، وكأنها في سباق لتعطيل حركة قلب الصفحات والتوقف عندها لمنحها تأشيرة الاتفاق أو الاختلاف مع مضامينها الإبداعية والمتباينة في آن واحد. كتب قارئ في باب (قول في مقال) حول قضية قلما تدخل في الحسبان حول دور الفرد، ومبادرة أصحاب الكفاءات إلى تدريب من كانوا أقل حظا منهم، مستندا إلى فكرة فيلم (Pay it Forward ) الشهير الذي تدور أحداثه حول فكرة انتقال الخير من يد إلى أخرى، مؤكدا أنه بالرغم من أن الفيلم الذي أنتج عام 2000 يقدم الفكرة بشكل مغرق في الرومانسية والمثالية المرهفة إلا أنها عمليا قابلة للتطبيق على أرض الواقع «إن طبقناها على المهارات والمعارف التي يحتاجها شبابنا»، وأنها قد تكون بالفعل «زكاة العلم» التي تقضي بتعليمه لمن يحتاجه ونقله للآخرين. وفي المقابل وضع رئيس التحرير محمد العصيمي سنة قلمه في جرح الترجمة في العالم العربي، وخلص إلى أنه «واقع مفجع» استنادا إلى حقائق وأرقام جمع فلولها من دراسات وأبحاث عربية وقدمها على ذمة رواتها، ناقلا عن الباحث الأكاديمي الجزائري مسدود فارس بأن «الإجمال التراكمي للكتب المترجمة إلى العربية منذ عصر المأمون إلى غاية 1990 يقدر بـ 10 آلاف كتاب وهو يوازي ما ترجمته إسبانيا في عام واحد» فقط، داعيا إلى إحياء هذه الفريضة شبه المغيبة في عالمنا اليوم في شقها العربي.

لكن الكاتب والمدير الفني للقافلة كميل حوا امتشق قوس قلمه وصوب سؤالا من عيار السهل الممتنع أقل ما يقال عنه، بأنه يصيب القارئ بالدوار والحيرة معا، سأل حوا يقول (هل نحب عصرنا؟)، مستحثا الجميع أن ينظروا إلى تصرفاتهم تجاه تفاصيل حياتهم اليومية في هذا العصر بتجرد قبل أن يجترحوا الإجابة عن السؤال. وفي لقطات سريعة، استوقف القارئ أمام مشاهد حية غارقة في الواقعية ليعينه على محاولة الجواب، كيف نحكم على هذا الشعور المتنامي بالغربة مع الكتاب وبرامج جهاز التلفزيون والموسيقى العصرية وكل أدوات ووسائل التكنولوجيا الجديدة التي «دخلت إلى حياتنا من دون استئذان، وما زلنا ننظر إليها متسائلين». ولماذا هذه «النظرة الرجعية التي ترى الخير والجمال والقيمة دوما في الماضي لا في الحاضر»، هل هي نظرة ريبة إلى كل جديد حل محل أي قديم؟. وبعد أن خلط الأوراق في تمكن خلص إلى إجابة مقنعة في تحد سافر، وهي أنه يعرف أن السؤال «ربما يبقى من دون إجابة شافية من أي كان!».