عوضا عن الحلويات والتهاني: العيد في لبنان رسائل هاتفية

TT

لم تعد الاعياد في لبنان محطة حتمية للقاء الاصدقاء ولمّ شمل العائلة. وغاب مفهوم الواجب عن المناسبات، بعد ان كان يفرض ممارسة تقاليد اجتماعية معينة وفي مقدمها القيام بزيارات التهنئة وما يرافقها من تبادل مئات القبل والتهام قطع الحلوى، كذلك لم يعد اقتراب موعد حلول الاعياد يلوّح ببدء موسم «التراشق الودي» بالهدايا أو ينبئ بالحصول على «عيدية نقدية»، لا بل ربما تحولت هذه المناسبات برمّتها عبئا في هذا العصر الذي تسيطر فيه الهموم المعيشية وأعباء العمل حتى أضحت ترخي بثقلها على كل مفاصل الحياة اليومية. هذا الواقع، أعاد ترتيب سلّم المقاييس بطريقة تبدّل معها ما كان يعتبر حتى الأمس القريب من المسلّمات. فباتت تأدية الواجبات الاجتماعية وتحديدا في فترات الأعياد «همّا» يفرض نفسه ويوجب تحيّنا للفرص واستنجادا بآخر قطرة من الأناة. فغالبا ما أصبح يستعاض عنها بوسائل أنعمت بها تكنولوجيا العصر وأبرزها الرسائل الهاتفية. وفي أحسن الأحوال قد تجرى مخابرة مقتضبة نادرا ما تتعدى الأسئلة العامة و«الدعاءات الجاهزة» وذلك بسبب ارتفاع ثمن المكالمات حدّ الغليان خصوصا تلك الخلوية منها. فأصبحت العبارات التي ينطق بها الفرد المتَّصِل تحدَّد سلفا تلافيا لهدر الثواني التي تهدر معها وحدات الخطوط الهاتفية. وأحيانا ولدواع تقشفية شائعة جدا، أصبحت الرسائل الهاتفية الحل الأمثل لجميع مَن يحرصون على الامتثال لواجباتهم من دون الإسراف. ولهذه الغاية، ابتدعت مجموعة متنوعة من الرسائل الهاتفية القصيرة المزدانة بصور بالأسود والأبيض أو الألوان، وذلك للخروج عن المعهود من عبارات تقليدية تستعاد دوريا كتلك المطبوعة على آلاف بطاقات المعايدة التي تُضخ الى الأسواق في كل المواسم. وأحيانا تتحوّل النكات طريقة للمعايدة حتى وإن كانت تفشل في انتزاع مجرد ابتسامة لا ضحكة. فبدلا من الذهاب إلى المتجر لشراء البطاقات وإضافة بعض الكلمات إلى ما كتب عليها، ثم التوجه الى مركز البريد لإرسالها الى الشخص المقصود، يكفي استخدام الجهاز الخلوي لتأدية هذه المهمة من دون تكبد عناء التنقل وهدر الوقت.

وفي اطار «المعايدات التكنولوجية»، يلجأ البعض الى الرسائل القصيرة ولكن الجماهيرية أي تلك التي تظهر أسفل شاشات التلفزيون. وقد تصبح هذه الوسيلة الأنجع في المعايدة أولا لمرورها أمام عيون آلاف المشاهدين خصوصا في عصر الفضائيات، وثانيا لانها تبقى الاقل كلفة مقارنة بعدد الاشخاص الذين «تصيبهم» في إطلالة واحدة.

ويضاف الى «قائمة المعايدات العصرية» الانترنت ودهاليزه التي تقدم تشكيلة لا متناهية من التمنيات المبتكرة. فتلك الشبكة تتمتع بمئات المواقع المتخصصة بإرسال بطاقات تهنئة مجانية لكل المناسبات. وهذه الوسيلة غالبا ما يلجأ إليها الشباب بما أنهم يشكلون الفئة الكبرى من زوار هذه الشبكة في العالم العربي. فقد أصبحت لغة التخاطب في العيد لاسيما بين الاصدقاء أو أولئك المهاجرين وذويهم، «البطاقات الانترنتية». ويكفي لذلك زيارة أحد المواقع واتباع التعليمات بدءا باختيار البطاقة مرورا بالصورة أو الكليب المصور وصولا الى العبارة المراد ارفاقها بـ«هدية العيد الرمزية» قبل ضغط كلمة «إرسال»، وهكذا تحلّ مشكلة «فرض العيد» ويزيل معها هاجس الزيارات.

والى جانب هذه المعايدات، تبرز «المعايدات المهنية» التي ما ان يقترب موعد الاعياد حتى تنهال من كل حدب وصوب متمنية «أياما سعيدة» أو «تحقيقا للاحلام» حتى وان كانت مستحيلة. واللافت أن مصادرها تكون بغالبيتها مجهولة رغم تنوّعها، فهي بشكل عام تأتي في إطار التمهيد لفتح آفاق مهنية جديدة. فموظفو المحاسبة في المؤسسات التجارية الكبيرة يتلقون سنويا مجموعة من البطاقات من شركات صغرى تبحث عن «رزقها» عبر العلاقات العامة، علّهم بذلك يتجاوبون بشكل اسرع ويبادرون الى دفع الشيكات المصرفية!