القنفذة تغازل ميناءها القديم.. ومواكب الحجيج البيضاء

«بوابة حجاج شرق العالم»..

TT

قد تكون فكرة مداعبة الماضي، فكرة لا تثير إلا المواجع والآلام.. وتبعث على الحسرة عند الكثير من المجتمعات.

ولكن الفكرة ذاتها اليوم.. تشعر أهالي القنفذة بالاعتزاز والفخر، وهم يتذكرون سفن البحر الأحمر تزف إليهم مواكب الحجيج من الهند وشرق آسيا، وأصواتهم تلهج بأدعية «القبول والغفران»، قبل أن يفدوا إلى مكة زرافات ووحدانا.

صدى تلبية «لبيك اللهم لبيك» ما زالت تغازل مسامع القنفذة وساكنيها مع قدوم آخر شهور السنة الهجرية، يوم كان شاطئها طريقاً للحجاج والمعتمرين إلى مكة قبل 80 عاماً. وما زال ذلك الصدى يحرك فيهم الحنين إلى عودة «شرف خدمة حجاج بيت الله».

القصة التاريخية لحاكمها الملك عبد العزيز آل سعود وهو يطمئن شعوب شرق العالم ـ في وثيقتين تاريخيتين ـ بأنهم سيحطون رحالهم على «البلد الآمن».. ويعدهم بتوفير الوسائل الممكنة بكل ما يكفل راحتهم ويسهل مبتغاهم في الحل والارتحال، تلك القصة تؤكد للأجيال القادمة بأن قادتهم في هذه البلاد يحملون «هم خدمة حجاج بيت الله» على رأس أولوياتهم، ويبذلون كل الطاقات في خدمتهم ورعايتهم منذ أكثر من قرن.

القنفذة اليوم تحتفظ بذكرياتها القديمة مع الوثيقة الشهيرة للملك عبد العزيز آل سعود عندما خاطب حاكم الهند عام 1925، مبدياً استعداد الحكومة السعودية لاستقبال الحجاج القادمين من الهند، مؤكدا في ذلك الوقت على استعداد الحكومة لتوفير راحة من يفد إلى هذه البلاد من حجاج بيت الله الحرام بجميع الوسائل، وقال في خطابه إلى حاكم الهند «إن ميناءي القنفذة والليث في الوقت الحاضر على أتم الاستعداد لقبول ما ينزل فيهما من الحجاج وقد توفرت في هذين الميناءين جميع ما يحتاج إليه الحاج من الوسائط الضرورية كوفرة الزوارق والسنابيك في الميناء وما يمكن حصوله من وسائط النقل من هذين الميناءين إلى مكة المكرمة من الجمال والدواب»، واصفاً القنفذة بأنها «البقعة التي تتمتع بالأمن التام والسكينة والطمأنينة».

تلك المدينة الساحلية الواقعة جنوب مكة المكرمة بأكثر من 300 كيلو متر، كان ميناؤها الباب البحري الأهم للدولة السعودية قبل توحيدها، وكان أحد المنافذ البحرية التي تطل على ساحل البحر الأحمر وتسهل وصول البضائع من البلدان المختلفة، وتصدير البضائع إلى الموانئ المجاورة وإلى خارج الجزيرة العربية.

يقول البروفيسور أحمد الزيلعي، رئيس قسم المتاحف والآثار بجامعة الملك سعود، «إن القنفذة في بدايات توحيد السعودية كانت ميناء الملك عبد العزيز الأول على ساحل البحر الأحمر، وأخذت الأرزاق والإمدادات تصل إليه، أثناء حصار جدة».

ويشير إلى أن «الحجاج القادمين إلى مكة من شرق العالم أخذوا يصلون إليها عن طريق ميناءي القنفذة والليث»، موضحاً بأن الميناء جهز بكل الإمكانات حتى يستطيع استيعاب القادمين إليه في ذلك الوقت.

وأرجع الزيلعي السبب في اندثار وتوقف ميناء القنفذة، الذي كان يعد أهم ميناء لمنطقة عسير والمناطق المجاورة لها، إلى نشاط مدينة جدة ومينائها وسهولة النقل البري بواسطة السيارات بين القنفذة وجدة، لافتاً إلى «أن استقبال الحجاج وتجارة النقل البحري وصناعة السفن الشراعية توقفت تبعاً لذلك، وأصبحت القنفذة مرتبطة تجارياً بمدينة جدة».