تداخل الفن والعلم في التحقق من الأعمال الفنية

حول بصمات الفنانين بولاك ودافنشي

TT

ادموند لوكاردك أحد الخبراء الفرنسيين الطليعيين في الطب الشرعي كتب ذات مرة أن أي تلامس يترك أثرا. وحسب هذه النظرية التي تسمى مبدأ تبادل لوكارد، فإن تاريخ الفن يقدم مفاتيح مهمة لعلماء الطب الشرعي. وخلال العصور، ظلت أواصر الفنانين الحميمة بموادهم تترك وراءها آثارا تعرِّف بهم.

ولاحقا أصبح عالم الفن مشبعا بقصص حول بصمات أصابع الفنانين. فلويجي كاباسو الانثرولوجي الإيطالي كتب في الفترة الأخيرة عن أن الباحثين نجحوا في إعادة طبع بصمة سبابة ليونارد دافنشي اليسرى، حيث تم حفظها وسط الحبر فوق 52 صفحة تعامل بها. واعتبر كاباسو بصمات الأصابع على الأوراق كـ«آثار بيولوجية» للفنانين.

والأكثر إثارة في الاكتشاف هو تأكيد قناعة شعبية واسعة تقول إن أم ليوناردو لم تكن قروية من توسكان بل هي أمة من الشرق الأوسط تم جلبها من القسطنطينية.

وقصص من هذا النوع تعكس ما يُفترض أنه تصادم ما بين الفن والعلم. فتاريخ الفن اعتبر منذ فترة طويلة بأنه فرع ضعيف من الناحية العلمية يتقدم إليه عدد كبير من كل صنوف المثقفين الميالين إلى بناء أحكام ذاتية بعكس الموضوعية التي يتمتع بها العلماء.

لكن ذلك يعني أن الفن والعلم هما أقرب إلى بعضهما بعضا مما كان يُعتقد.

هناك بصمات أصابع أخرى لفنان آخر. وكان هذا الموضوع النقطة الأساسية في الفيلم الوثائقي «من هو جاكسون بولوك؟» الذي بدأ عرضه في الشهر الماضي بنيويورك. وفيه يعرض المخرج هاري موزس حكاية مشهورة لتيري هورتون التي قالت إنها عثرت على لوحة لبولوك في مخزن.

وثبتت صحة هذه الدعوى بعد أن عثر الخبير الفني بيتر بول بير، على بصمة إصبع على خلفية اللوحة التي كان من المفترض ان تتطابق مع بصمة الأصابع «البلاستيكية» المحفوظة في استوديو بولوك هامبتون الشرقية.

واللغز الأساسي في الفيلم هو كيف أن آراء عدد من خبراء الفن قادرون على فبركة بصمات الأصابع. والفيلم هو خطاب مدهش حول طبيعة هذا النوع من الخبرات. ومن بين الخبراء الذين تم استجوابهم في الفيلم كان توماس هوفينغ المدير السابق لمتحف الميتروبوليتان، إضافة إلى آخرين أنكروا موثوقية اللوحة للوقفية العالمية لبحوث الفن.

ويبدو أن التوثق من صدق اللوحة هو آخر كلمة يقولها مؤرخ الفن ملغيا أحكام علماء الطب الشرعي.

من جانب آخر، يقدم تحليل بصمات الأصابع بطريقة باردة وموضوعية. وبغض النظر عن المشاكل الناجمة عما إذا كانت اللوحة التي تمتلكها هورتون لها نفس «الطاقة والحيوية» القائمة في أعمال بولوك، فمن يستطيع التشكك بموثوقيتها، عند اخذ حقيقة تماثل بصمة الإصبع على اللوحة مع تلك الموجودة في استوديو بولوك نفسه؟

ويظهر تحرٍّ أكثر دقة أن فحص بصمات الأصابع وتحليلات خبراء الفن ليست في نهاية الأمر مختلفة.

فليس هناك تطابق مثالي بين بصمات الأصابع. فكل الآثار التي تتركها الأصابع حتى للإصبع نفسه مختلفة قليلا. وما يترتب عنه هو حكم ذاتي لخبير في بصمات الأصابع هو أن هناك بصمتي أصابع مختلفتين على الرغم من أنهما متأتيتان من الإصبع نفسه.

هذا بالطبع يبدو كأنه فحص لموثوقية الأعمال الفنية، والذي يتطلب تحديد ما إذا كان العمل المختلف حول صحة انتمائه إلى فنان ما هو بالفعل يعود للفنان نفسه. وعلى عكس الأقاويل، فإن خبراء قراءة بصمات الأصابع هم لا يستندون في عملهم على مقاييس علمية، بل هم يعتمدون على التقييمات البصرية فيما إذا كانت الخصائص التي تظهر في البصمات هي مستمرة في بصمات أخرى.

ومثلما هو الحال مع خبراء الفن، فإن فاحصي بصمات الأصابع يستندون في أحكامهم إلى تجاربهم، إذ أنهم قضوا وقتا طويلا يتدارسون بصمات الأصابع. أما خبراء الفن فإن أكثرهم يضيف إلى خبراته تدريبا واسعا عن تاريخ الفن، بينما يفتقد فاحصو بصمات الأصابع لأي تدريب في العلم.

وخلال الدعوى التي طرحت أمام محكمة فيدرالية عام 2002 حاجج المتهم بأنه يجب إقصاء بصمات الأصابع كدليل ضده لأنها تستند إلى حكم ذاتي أكثر من أن يكون تحديدا علميا. لكن القاضي أكد أنه حتى مع الطابع الذاتي لأحكام فاحصي بصمات الأصابع فإنهم يظلون قادرين على تقديم شهادة بصفتهم خبراء. وباتخاذ هذا القرار يكون القاضي قد أجرى مقارنة ما بين «مقيمي الأرض والأعمال الفنية» الذين تستند معرفتهم إلى عنصر ذاتي والخبرة لكنها مع ذلك يمكن استخدامها في المحكمة.

*خدمة «نيويورك تايمز»