ملحمة عن أفغانستان تصور في الصين

تصوير فيلم «الطائرة الورقية» للكاتب الأفغاني خالد حسيني

TT

تغرب الشمس بسرعة ومبكرا فوق ياربيش، وهو حي من المساكن المهدمة والحارات المظلمة وجسر خشبي يتأرجح بطريقة تبعث على الخوف فوق جدول في هذا المدخل التاريخي الذي يربط أقصى غرب الصين بآسيا الوسطى.

كان الوقت اوائل شهر نوفمبر (تشرين الثاني) ويمكنك الشعور باقتراب الشتاء، وهو ما يمكنك اكتشافه على الفور بالنظر الى المخرج، مارك فوستر، الذي يرتدي سترة شتوية ثقيلة، وهو يتفحص فيلا فاخرة من طابقين تم تشييدها خصيصا لهذا الفيلم في واحد من افقر احياء البلدة.

ولكن الشتاء لا يقترب بسرعة كافية لهذا المشهد الليلي، الذي يقع في العاصمة الافغانية. ولذا تولى واحد من افراد الطاقم يقف على سطح الفيلا بتشغيل ماكينة لإنتاج الثلج الصناعي. والمعروف ان هناك الكثير من التحديات التي تتعلق بتحويل رواية في قائمة احسن الروايات مبيعا الى عمل سينمائي. ولكن عندما يكون موضوع الفيلم هو افغانستان، وتجري احداثه في معظم انحاء البلاد، التي تعتبر، ربما بعد العراق، اخطر مكان في العالم بالنسبة للاميركيين، فإن الثلوج هي اقل مشاكل طاقم الفيلم.

وتحتوي رواية خالد حسيني «الطائرة الورقية» على مشكلة إضافية، وهي انها ملحمية، وهو ما كان في يوم من الايام واحدا من اهم اسس الافلام الضخمة في هوليوود، ولكنه اختفى الآن. والرواية، وهي حول صداقة بين ولدين افغانيين تستمر لعدة اجيال، وتدور في كابل وخارجها، ولا سيما في اجزاء من افغانستان وسان فرانسيسكو، حيث يعيش المنفيون الافغان.

واوضح فورستر «من البداية، كانت هذه رواية يجب تقديمها بطريقة ملحمية». ومن المتوقع ان يطرح فيلمه في الاسواق في شهر نوفمبر 2007. وهو من انتاج بارامونت ودريموورك. واضاف المخرج انه حاول خلق الاحساس بكابل في السبعينات، وشوارعها المزدحمة بالالوان والحياة في بلد كانت فيه الطبقات المتوسطة محملة بالأمل. ثم زيارة المدينة بعد عدة سنوات في اعقاب الغزو السوفياتي، لاستكشاف الاحساس بضياع الهوية بين المنفيين والعائدين.

الجدير بالذكر ان هوليوود لا تشتهر بتاريخ جيد في ادارة اثنين من اهم مشاكل الفيلم: العثور على موقع قصي مثالي لتصوير الفيلم، واختيار طاقم تمثيل كبير من اماكن بعيدة وبلد غير معروف. وتقليديا تتطلب الافلام الكبيرة اختيار ممثلات وممثلين غربيين في الادوار الرئيسية. وتملي متطلبات التسويق ضرورة ان يكون الحوار بالانجليزية، وهو ما يؤدي عادة الى استخدام لهجات نمطية سخيفة. اما بالنسبة لـ«الطائرة الورقية»، فإن طاقم الفيلم ركز على المصداقية. ويراهنون على انه يمكن اغراء المشاهد الاميركي بالجلوس في قاعة السينما لمشاهدة فيلم مترجم لساعتين ـ وهو امر بدأ المشاهدون في الاعتياد عليه في الاونة الاخيرة، بسبب افلام مثل «ابوكاليبتو» و«ورسالة من ايوو جيما» و«بابل».

وجوهر هذه المغامرة يتبلور هنا في قشغار، حيث تم تصوير جزء كبير من الفيلم. واحداث تصوير هذا الفيلم هي رواية في حد ذاتها.

فقد قضى فريق الانتاج ثلاثة اشهر في عمليات بحث عن المواقع، واعدوا قائمة من 20 دولة ـ ليست أفغانستان من بينها لأسباب واضحة ـ وناقشوا ايها اقرب الى البلد. وتراوحت الاماكن ما بين الهند والمغرب وجنوب افريقيا، الا ان بنيت والش الذي اشرف على عملية البحث قال ان الحديث كان يعود دائما الى قشغار، وهو مكان لم يسمع به إلا عدد قليل من العاملين في هوليوود ولم يصور فيه فيلم غربي من قبل.

وبالاضافة الى تعاون السلطات الصينية التي رغبت في وضع اقصى غرب البلاد على خريطة قطاع الافلام، وتوفير اعداد من الفنيين الصينيين في مجال السينما، فإن قشغار كانت دائما افضل مكان من حيث المظهر، بداية من تنوع السكان، ومعظمهم من المسلمين والريف الذي يتشابه مع افغانستان. غير ان البحث عن طاقم الممثلين والممثلات مثل تحديا اكبر من البحث عن موقع. فشوارع قشغار تزدحم برجال ملتحين ونساء يرتدين البراقع وهو ربما يخدع المشاهد بأنه يشاهد كابل. الا ان اللهجة يصعب تقليدها، وكان طاقم الانتاج في حاجة للعثور على طاقم يتحدث اللغة الدارية بعد قرار تصوير الفيلم باللغة الاصلية. وتم اختيار هومايون ارشادي وهو ممثل ايراني لعب بطولة فيلم «مذاق الكرز» الذي حصل على جائزة السعفة الذهبية عام 1997، للعب دور بابا والد امير.

بينما جرى اختيار الممثل البريطاني المصري الاصل خالد عبد الله لدور امير في مرحلة البلوغ وقد سافر الى كابل لتعلم الدارية. واكد عبد الله، في مقابلة صحافية، رغبته في تقديم المجتمع الافغاني بطريقة صحيحة. وقال «واحد من الاشياء الرائعة في هذا الفيلم بالنسبة لي هي ان نقطة البداية ليست هي العنف بل شخصيات عادية». وبما ان قصة «الطائرة الورقية» تركز على علاقة الطفولة بين امير، وهو ابن اسرة من النخبة، وحسن ابن خادم الاسرة، فإن اهم جزء في العملية هو العثور على ممثلين شباب لهذه الادوار. وتولت هذه المهمة كيت دود المتخصصة في اختيار الممثلين، وقادها بحثها الى مجموعة من المنفيين الافغان في اوروبا، الا انها اكتشفت ان الاطفال الذين عثرت عليهم اصبحوا بعيديين عن ثقافتهم الاصلية. وتقول كيت «على الرغم من انني قمت بكثير من الابحاث حول أفغانستان، إلا انني بمجرد ذهابي الى هناك قررت نسيان كل ما قرأته. ففي أفغانستان لا توجد شركات لاختيار الممثلين والكثير من الناس لا يملكون حتى جهاز التلفاز. ذهبت الى المدارس وكنت ابحث عما يلفت انتباهي وخصوصا من هؤلاء الاطفال الهادئين الذين يجلسون في الاركان دائما».

واتجهت الى كابل نفسها، حيث قضت شهرا تزور فيه المدارس والملاجئ. وخلال جولة في مدرسة تحت ادارة فرنسية عثرت على صبي عمره 11 سنة اسمه كيكيريا ابراهيمي واختارته للقيام بدور امير. ويلعب دور حسن الذي خانه صديقه امير احمد خان محمدي زادا.

* خدمة «نيويورك تايمز»