لوحات تحتفي بالإنسان والطبيعة وأخرى تحولهما إلى مرثيه صامتة

30 فنانا إسبانيا في معرض جماعي بالقاهرة

TT

مجموعة من المهارات والتقنيات التشكيلية اللافتة تجسدها نماذج من أعمال ثلاثين فنانا من مدينة اليكانتي الاسبانية تستضيفهم قاعة «أفق واحد» بمتحف محمود خليل بالقاهرة في معرض يستمر حتى منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي. الأساليب الفنية تتنوع في لوحات المعرض، فنلاحظ التعبيرية الانطباعية التي تحتفي بجماليات المنظر والمكان، وتشتغل على اللون كعنصر أساسي في إبراز العناصر والأشياء بصورة تقترب كثيراً من صورتها الواقعية، مثل لوحة الفنان فرنيثسكو باراشينا «فتاة السلال»، وهي تصوير زيتي يستخدم فيها الألوان المشمسة الساطعة، بتدرجات وتموجات ناعمة تنعكس بقوة على أرضية اللوحة وفي ثياب الفتاة المنسابة بشفافية وقورة وتبلغ اللوحة نشوتها التعبيرية في التعامل مع الوجه، فهو مصدر الإحساس بالتوازن والصفاء، وتشكل حركته الصامتة، نقطة لانطلاق الضوء الذي يغمر اللوحة من شتى الاتجاهات، متواشجا في الوقت نفسه مع حركة الظل الذي ينثره الفنان في نسيج اللون حتى لا يبدو شيئا معاكسا للضوء بقدر ما يكتسب ماهيته منه ويبدو لونا كسائر الألوان.

على هذا المنوال نتأمل لوحة «الشال الأحمر» للفنان غرمان أراثيل بورونات، وهي تصور فتاة غافية في مخدعها. ونلاحظ براعة الفنان في التقاط الروح الحالمة للحالة والعزف على إيقاعها بصريا مستخدما ألوان الباستيل المخففة الصامتة، ففي الخلفية يتوزع الأبيض المشرب بلطشات فسفورية منطفئة وفي «الشال» المطروح على جسد الفتاة يغفو الأحمر الداكن المطرز بورود وتوريقات نباتية، وينبثق النور من اللون في خفة ووداعة، وكأننا نستعيد لحظة من لحظات الطفولة، يتعانق فيها دفق الذاكرة والحلم. بل نشعر أحيانا بخدر النوم ولذته، ويكاد يستغرقنا الحلم كلما تأملنا هذا الدفء الزغبي الذي يشع من وجه الفتاة الساجي على الوسادة.

ولا يغيب هذا الاحتفاء بالطبيعة والبشر عن اللوحات التي تنحو منحى تجريديا في المعرض، فالتسطيح للخطوط والألوان، وتهميش الظل والضوء، والاهتمام بالبنية الذهنية والطابع الهندسي للشكل وكما يتجلى في هذه اللوحات لا يهدف إلى تحييد اللوحة، وتفريغها من الروح الإنسانية، لكنه يعبر عن ذلك في أطر ومعالجات فنية تقلل من التأثير التقليدي الواقعي للخارج. وتبرز محنة الإنسان في تحويله إلى نمط ورقم ومعادلة حياتية فارغة من الدلالة والمعنى. يبرز هذا في لوحة «مونتين» للفنان اوريليو ميجيل أيالة. فاللوحة عبارة عن رشات لونية مرتجلة على مسطح ورقي مستطيل ملون بون كريمي هادئ، وفي جوف هذا الهدوء تتناثر شرائح من ورقية بألوان بنفسجية وردية وزرقاء وسوداء. ولا توحي عناصر اللوحة بأية كثافة لونية أو تعبيرية، وإنما تنقل لنا إحساسا بأن ثمة شيئا ناقصا فوق هذا المسطح الورقي البارد، كما توحي في الوقت نفسه بأن ثمة وجودا تحول إلى قصاصات ومزق من الضوء الذابل .