معرض «سقارة» بمكتبة الإسكندرية يكشف المفردات اليومية لحياة المصريين القدماء

يضم جداريات فرعونية وبرديات نادرة

TT

تحتضن القاعة الشرقية بمركز المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية، معرضا أثريا لافتا يحمل اسم «سقارة» ينظمه مركز الفنون بالمكتبة لمدة 31 يوما. ويقدم المعرض صورا فوتوغرافية نادرة لبعض الحفائر التي اكتشفتها إدارة الآثار المصرية بالتعاون مع البعثة الفرنسية التابعة لمتحف اللوفر، بإشراف السيدة كريستين زيجلر رئيسة البعثة، في منطقة سقارة بالجيزة في الفترة ما بين 1991 إلى 2004 .عارضا وصفا تفصيليا لخريطة الاكتشافات وخط سير أعمال التنقيب عبر هذه السنوات.

تقع منطقة سقارة على بعد نحو 35 كيلومترا جنوب غرب الجيزة بمصر وتضم مقابر ملكية وخاصة قديمة جداً، منها عدة مجموعات هرمية لملوك الأسرات الثالثة والخامسة والسادسة، وكذلك مصاطب كبار رجال الدولة المزينة بلوحات رائعة تصور الحياة اليومية في الدولة القديمة ومن أشهر آثارها على الإطلاق هرم زوسر المدرج، وهو من المواقع المصرية التي شهدت اكبر قدر من حملات التنقيب الأثرية. ومن أهمها الحملات الأخيرة التي قامت بها بعثة اللوفر الأثرية، والتي كشفت عن جزء كامل من الخريطة التاريخية للموقع في أحد المناطق التي ما زالت بكرا.

ويركز المعرض علي اكتشاف مصطبة «أخي تتب» من 2453 ـ 2420 ق.م. المحفوظة حاليا بمتحف اللوفر، وكانت الحكومة المصرية قد باعت معبد أخي تتب إلى متحف اللوفر عام 1903، ومنذ ذلك الوقت أصبح يجسد روعة الفن المصري في عصر الأهرامات أمام ملايين من الزوار. ويمثل هذا المعبد الذي وجد ضمن بناء هائل مزين بالحجر الجيري الأبيض الرائع الجزء المرئي فقط من المقبرة. وهو يعلو قبو محفور بعمق داخل الصخور عبر نفق يزيد عمقه على 20 مترا. وتقول السيدة كريستين زيغلر رئيسة البعثة: على الرغم من سلب هذه المقبرة خلال العصور القديمة، إلا أننا وجدنا بها ما يكفي من الآثار المتبقية التي تشير الى مدى ثراء محتواها.. حيث اكتشفنا تحت الأنقاض 3 تماثيل رائعة من الحجر الجيري المطلي، وهي من العناصر اللازمة للطقوس الجنائزية. كما تضمنت المقبرة مائدة كبيرة لتقديم القرابين من الجرانيت ـ تم بيعـها أيضاً إلى متحف اللوفر ـ وكانت هذه المائدة توضع داخل المعبــد لتسـتقبل القرابين التي تتقدم بها عائلة الميت والكهنة بانتظــام. وتعكس النقوش الزخرفية للمعبد بطابعها الحي المتألق الحياة الزراعية الهائلة التي تهدي ثمارها، من أغذية ومشروبات وأقمشة، لصاحب المقبرة.

ونظراً للقيمة السحرية التي تكتسبها الصور لدى قدماء المصريين، فلقد كانت كل المشاهد تجتمع لتعكس الحياة الأبدية للميت المسمى«أخي تتب» بعد البعث. وحول الصعوبات التي واجهت البعثة أضافت كريستين: «لقد بدت أعمال التنقيب مثيرة وممتعة للغاية حيث قمنا بإخراج حي كامل من «مدينة الموتى» يتكون من 6 مصاطب جديدة. وتم اكتشاف عدد من التوابيت الخشبية والحجرية والمومياوات داخــل ثلاث حفائر ترجع إلى العصور الفرعونية. كما عثر على تابوتين مغلقين من الخشب و12 مومياء في حالة جيدة في إحدى الآبار، كما عثرنا في بئــر أخرى على خمس مومياوات وبجانبها بعض الأثـاث الجنــائـزي وقــد ألقيت بطريقة عشــوائيـة». ويضم معرض «سقـارة» صورا لجداريــات فرعونية تجسد الحياة اليومية للمصري القديم. بالإضافة إلى صور الكشف عن الأواني الفخارية المصرية، والتي توضح أن الفخار كان المادة الأكثر شيوعاً لصناعة الأواني، حيث كان الأغنياء والفقراء على حد سواء يخزنون الأطعمة والسوائل داخل جرار من الفخار، وفي المعابد كانت تستخدم لتقديم القرابين، كما توضح الصور العمليــات الاســتكشافية للأنفـاق التي نتج عنها اكتشاف أوان مزخرفة للمائدة واردة من اليونــان.

ويحمل المعرض ذكريات البعثة، التي بلغ عددها 200 فرد، بينهم باحثون وفنيون من مختلف بقاع العالم، من متحف Turin والمعهد البولوني لعلم الآثار المتعلق بالبحر المتوسط IFAO، والمركز الوطني للبحث العلمي CNRS. كما يعكس روح المغامرة التي تغلف أعمال التنقيب عن الآثار، فنشاهد العمال والنجارين، وعلماء الآثار المصريين والفرنسيين أثناء دراستهم للنقوش والزخارف والنصوص. وتبرز الصور ما توصلت إليه حملات التنقيب من الوثائق المدونة على البرديات والأحجار وغيرها. كما تؤرخ للكتابات المصرية القديمة، مثل الهيروغليفية و الهيراطيقية والديموطيقية والقبـطيــة والعربيــة. وحول القصص النادرة التي صادفتهم تشير كريستين إلي حدث نادر جدا، وهو اكتشاف إحدى البرديات المكتوبة باللغة العربية في موقع سقارة. «لذا، كانت الدهشة بالغة عندما ظهرت نسخة عربية تحت أنقاض أحد المنازل القبطية. لكن آمالنا لم تخيب، فبعد فك رموز اللغة بمعرفة المتخصص يوسف راغب، أظهر النص معلومات جوهرية عن تاريخ المباني وتعايش المسيحيين مع المسلمين في منتصف القرن الثامن بعد الميلاد حين كانت مصر تحت السيطرة العباسية». وتضيف «لقد كان ذلك جواز مرور محررا باللغة العربية لصالح قبطي يدعى ديفيد، من قاطني الدير القريب من Saint Jérémie. وكان التــاريخ محددا بدقــة في اليوم الأول من الشــهر القمري رجب، عام 133 (الهجري)»، أي عام 750 ـ751 ميــلادي. وكان مرسلا الرسالة اللذان طبع اسميهما على الأختام الفخارية التي أغلقت بها الرســالة من رسل عبد المالك بن يزيد حــاكم الفسـطاط العاصـمة. وأرسلت الرسالة إلى حامل اللقب مع الإشارة إلى مكان إقامته ووصف له «ذو الأنف المعقوف، البديـن». ثم تلى ذلك الترخيص: «لقد سمحنا له بالعمل في الفسطاط والوجه البحري لدفع الجزية والإعــاشة ولقد حددنا له مهلة 3 ليال قبل نهاية رمضان، عام 133هـ». كما توضح إحدى البرديات العربية الأخرى المدونة في شهر رمضان، عام 133 هـ، أي الموافق شهر إبريل عام 751م، العلاقات بين المجموعات المسيحية والعربية.

ويقدم المعرض شــرحا مصورا لعملية التحنيط والدفن وأهم طقوسها في مصر القديمة والتي ظلت سارية حتى نهاية العصر المسيحي، كما عرض الي جوار الصور الفوتوغرافيـة الجـدول التاريخي للأسر الفرعونية بداية من عصر ما قبل الأسرات وحتي عصر البطــالمة.