الرقصات الشعبية في الإمارات تبقي الماضي حاضرا أمام التطور الاقتصادي

لا تزال الأسر العريقة تحافظ عليها

TT

الزائر لدولة الامارات خلال هذه الأيام، لن يبهر فقط بالتطور الكبير الذي تشهده مدنها، ولن تأخذه تلك المباني الشاهقة، التي تتنافس للوصول إلى الأعلى حول العالم، فللتراث نصيب أيضا.. وماضي الاماراتيين باق ولا يزال يسعى للوقوف أمام المد الاقتصادي، الذي يبدو كالطوفان يهد كل ما تبقى من الماضي.

والدالف لدبي، على سبيل المثال، لا بد أنه سيتوقف كثيرا أمام مهرجانها التراثي، الذي يأتي كأحد الفعاليات الرئيسية في مهرجان دبي للتسوق، في دورته الحالية، الذي يقول مسؤولوه أنهم يحرصون على تنويع فعالياته لإرضاء أكبر شريحة ممكنة من زواره، فمن عروض التسوق المغرية الى فعاليات الترفيه العائلي الممتعة وصولاً الى سحوبات الربح المذهلة، وبالتأكيد فللماضي وللتراث حظهما من هذا المهرجان، الذي يتوقع منظموه أن يبلغ عدد زواره هذا العام نحو 3.6 مليون زائر.

و«المهرجان التراثي» واحد من أهم المهرجانات التي يحرص زوار دبي على حضورها، حيث يتمتع بإقبال من كافة الزوار من داخل الدولة وخارجها، خاصة أن فعالياته تتضمن العديد من الفنون التراثية الأصيلة، مثل الحرف اليدوية، وإعادة إحياء التقاليد القديمة، والرقصات الشعبية. ففي الرقصات الشعبية تشاهد المشاركين يقفون صفا واحدا، يحملون عصيهم النحيلة يهزونها ويتمايلون معها على أشجان أصواتهم وأوتار ألحانهم، وكأنهم يستعدون لحرب سلمية ولمعركة فرح، إنه عرس الرجال، يفرحون على طريقتهم الخاصة، من دون أي مساس بشهامتهم.

يتوسطون «فريج دبي» داخل قريتهم التراثية، يأخذهم الحنين إلى أيام الصبا والربيع الأول، أيام كان الأرق لا يعرف لهم طريقا، ويعيشون يومهم وكأنهم خلقوا لأجله، يقفون اليوم أمام الزوار يحكون لهم قصة الحضارة الإماراتية، قصة الفرح بتقاليده والثقافة المحلية بتفاصيلها، ينشدون أغانيهم أمام الجميع.

يتحلق حولهم العديد من الزوار والقلوب ترتجف طربا، وكلما كانت مساحة الحنين تزداد بين المتفرجين وبينهم، كانت المسافات تتناقص، حتى سرت في الحاضرين حمى التمايل الجميل وكأنهم أحد أفراد الفرقة.

ويقول علي خليفة، أحد أعضاء فرقة الرقص الشعبي، إن دولة الإمارات تشتهر بمجموعة من الفنون الشعبية التراثية ذات الطابع الخاص، التي كانت وما زالت تؤدى بنفس الطريقة القديمة، ولا تزال الأسر العريقة تحافظ عليها، فهي القاسم المشترك بين جميع الناس على اختلافهم.

ومن أشهر تلك الرقصات، العيالة والحربية والرزفة والليوا والهبان والطنبورة والأنديمة والتوبات والسوما واليولة، ولكل رقصة أسلوب خاص وطريقة مختلفة في تأديتها، كما تشتهر بعض المناطق في الدولة ببعض الرقصات دون غيرها.

وتعتبر رقصة العيالة، الرقصة الرسمية، وتنشد خلال تأديتها الأناشيد الوطنية، وتستخدم فيها العصي والسيوف، وهي الأقدم في المنطقة، وكانت في الماضي بمثابة النفير العام للحرب، ومع مرور الأيام أصبحت نفيرا للمناسبات والأفراح، وتجسد هذه الرقصة إحدى الصفات العربية الأصيلة، كحب الخيل والفروسية ومجابهة الأعداء.

ومع العيالة يقف المرء منتشيا يتجاوب بشكل لاإرادي مع أصوات الطبول ويهتز لاشعوريا مع حركات الراقصين، الذين يقفون في صفين متقابلين، ويقف في الوسط بينهما حملة الطبول، وعندما تبدأ الرقصة يبدأون الضرب بقوة ويبدأ الصفان بالرقص والحركة، ويتحرك حملة السيوف في اتجاه الصف المقابل «المعادي» ويبدون وكأنهم يبارزون الأعداء، وعندما يطأطئ أفراد الصف المقابل رؤوسهم، فهي علامة التسليم والهزيمة، ويبقون كذلك إلى أن يعود حملة السيوف والطبول إلى الخلف مكللين بالنصر، ثم يبدأ أفراد الصف المعادي برفع رؤوسهم ويقومون بدورهم في مقابلة الصف الآخر.

وجرت العادة على أن يضم صف راقصي العيالة، 25 راقصا كحد أدنى و50 راقصا كحد أقصى، وينقسم هذا العدد بين حملة الدفوف والطبول والراقصين.

وأضاف، أما رقصة الحربية فهي رقصة حماسية تؤدى بالسيوف، وتمثل الشجاعة والاستعداد للنزال، وهي خاصة بالبدو وتوازي أهميتها رقصة العيالة، مع اختلاف بسيط ، سببه اختلاف البدو عن الحضر، وهي تؤدى من دون طبول، وتكتفي بالإيقاعات اليدوية الملازمة للغناء وأصوات المغنين وحركاتهم، ويتغنى راقصوها بالحروب والأسلحة، ولذلك تعتبر نفير الحرب في الصحراء.

أما اليولة فهي الرقصة الوحيدة، التي تحظى حاليا باهتمام كبير من قبل الشباب والأطفال، وتؤدى منفردة وثنائية ورباعية وتؤدى بالعصا أو السلاح في وسط ساحة ترابية، وفيها يرمي الراقص بالعصا أو السلاح عاليا، ثم يعاود التقاطه من دون أن يسقط على الأرض، مدللا على قدرته وتمكنه من الرقصة، وقديما كان السلاح الذي يستخدم للرقص سلاحا حقيقيا وممتلئا بالذخيرة، أما اليوم فقد أصبح السلاح خفيفا مفرغا لسهولة تحريكه ورميه.