سر يعرفه الجميع .. المرضى يكذبون

أكثر من نصفهم في أميركا يعرضون صحتهم للخطر لعدم تناول الدواء أو شرائه

TT

في عالم الطب، يوجد سر يعرفه الجميع.. المرضى يكذبون! انهم يكذبون حول عدد السجائر التي يدخنونها وحول انتظام تناول ادويتهم. وهم يقللون الى أدنى حد من كمية المشروبات التي يتناولونها وبالمقابل يبالغون في تقدير فترات ممارستهم للرياضة! وأخيرا فانهم يزيفون الأعراض الطبية كي يحصلوا على مواعيد أقرب لرؤية الطبيب. وفي اميركا فإنهم يطلبون من الاطباء إخفاء امراضهم عن شركات التأمين.

ويقول الدكتور بروس راو الطبيب العائلي في ضواحي مدينة ميلواكي، ان «الاطباء لديهم قاعدة محددة فهم يضربون ما يقوله المريض عن تناوله للمشروبات بثلاثة أمثال، فان قال انه يتناول كأسين فإننا نفترض انه تناول ستة كؤوس»، وفقا لوكالة أسوشيتد بريس. ويقال ان هيبوقراط، أبا الطب، كان قد حذر تلامذته في حدود 400 قبل الميلاد، من ان المرضى يحاولون التظاهر بالصدق عندما يقولون انهم تناولوا دواءهم. وفي هذا العصر فان الكذب قد يؤدي الى توظيف وسائل تشخيص غالية الثمن وتوجيه المريض الى الاختصاصيين من دون الحاجة الى ذلك. وربما يؤدي الكذب الى نتائج كارثية! وهذا هو مثال مايكل ليفاين، المستشار المالي الذي يسكن في مدينة لوس انجليس ويبلغ من العمر 28 عاما. وقال انه اخفى على احد الاطباء الاختصاصيين الذي كان يفحص جرحا في معصم يده، حقيقة انه كان يتناول عقار «زاناكس» المضاد للقلق، لأنه كان يعتقد ان الأمر لن يهم الطبيب. واضاف: «لقد تعلمت درسا. لربما قادني ذلك الى الوقوع في غيبوبة تامة». وقال ليفاين الاختصاصي «لم يكن طبيبي المعهود، بل كان يعالج معصمي». وكان ان وصف له دواء «فيكودين» لتخفيف الألم، وتناوله ليفاين اضافة الى دواء «زاناكس». وخلال عدة ايام غلفت ليفاين «غمامة»، واخذ ينام من دون ان يفقه اجراس الهاتف او الانذار، ثم بدأ يستفيق منهكا خائر القوى. وبينما كان الألم في معصم يده يخف، فانه لم يستطع القيام بأي عمل تقريبا. وكان ان عاد الى الطبيب الذي حقق معه بالتفصيل، ثم منعه من تناول مخفف الالم فورا، وقال له «لم أكن أبدا لأصف ذلك الدواء لك لو علمت بانك تتناول الدواء الاول».

لماذا يكذب المرضى؟

لان أجواء غرفة الفحص الطبي في المستشفيات لا تشجعهم على ان يكونوا صادقين، وفقا لما يقوله تشارلز صوفي طبيب الامراض العقلية في لوس انجليس. ويضيف «تخيل امامك مشهدا «لمريض عاري الجسم لا يغطيه سوى لباس المستشفى، يقف امامه الطبيب المغطى بكل ثيابه وصدريته وكل أدواته. ولان المريض يجد نفسه عاريا وجالسا فان من الصعب عليه ان يأتي ناصع البياض»! ويقول الباحثون ان المرضى غالبا ما يكذبون لإنقاذ ماء الوجه، فهم يريدون ان يكونوا «مرضى جيدين» امام اطبائهم. ويقدر بعض الباحثين نسبة المرضى الكاذبين الذين يدعون انهم يتناولون ادويتهم الموصوفة بأكثر من النصف. وأكثر هؤلاء المرضى اما لا يكونون مرتاحين للعوارض الجانبية للدواء، او لا يستطيعون شراءه او لا يفهمون الارشادات المتعلقة به.

سيندي سميث، 45 عاما، رئيسة مجموعة «ويت ووتشرز» لمراقبة الوزن وتخسيسه في ضاحية شمال شيكاغو، تقول انها كذبت على طبيبها بشأن التغذية والتمارين الرياضية.. لأنها كانت تخدع نفسها! وتضيف: «اننا نقنع انفسنا ببعض المسائل ثم نصدق بها.. ولو ضغط عليّ الطبيب لأبلغته بالحقيقة». وترى انه يتوجب «على الاطباء الضغط اكثر، وعلى المرضى الصدق أكثر».

ويدفع بعض الاطباء باتجاه تشجيع الصدق لدى المرضى، اذ يطرح الدكتور زاك روزن المدير الطبي لمركز مونتيفيور للصحة العائلية في نيويورك، على مرضاه عددا من الاسئلة للتأكد من انهم يتناولون أدويتهم. ويقول: «في البداية اسألهم: أي دواء تتناولون؟ ويجيبون «سين» او «صاد» من الادوية مثلا، ثم اسألهم كم مرة تتناولونه؟ ثم اضيف: هل هناك أي مضاعفات الخ؟». ويمتنع عدد من الاطباء الآخرين عن توجيه اسئلة توحي للمرضى بأنهم متهمون بشكل ما بعدم تناول الادوية، لتسهيل الحصول على اجاباتهم الصادقة.

وفي بعض الاحيان يشعر الاطباء بخيانة المرضى لهم، اذ يشير الدكتور سكوت ويتن الى حادثة وقعت معه عندما أتت مريضة اليه وبدأت في علاج للعقم مع زوجها. ثم وبعد ذلك اعلنت له انها اصبحت مطلقة واستمرت في العلاج بعد الحصول على حيوانات منوية متبرع بها. ثم ولدت بعد ذلك توأما وكان الزوج يعتقد انهما ولدا من حيواناته المنوية!