مخطوطات مغربية نادرة تعرض في الرباط

TT

يتيح متحف «ذخائر المخطوطات المغربية» برواق باب الرواح في الرباط ، لزواره، فرصة استعادة تلك العلاقة الحسية مع المخطوط القديم، الذي لم تعد الأيدي تتداوله، ولا حتى تتاح مشاهدته في أي وقت، بعد ان توارى في خزانات مجهزة بأحدث التقنيات لحفظه وصيانته من التلف، حتى تظل محتفظة بقيمتها التاريخية والجمالية والفنية، بينما يمكن الاطلاع على محتوياتها من خلال شاشات الكمبيوتر بعد ان انتقلت مضامينها من الورق الهش الى الاقراص المدمجة.

المعرض تنظمه وزارة الثقافة المغربية للمرة الأولى يستمر حتى 31 يناير (كانون الثاني) الحالي ويضم مجموعة نادرة ونفيسة من المخطوطات التي كانت محفوظة في اهم الخزانات والمكتبات المغربية وهي الخزانة الملكية، والخزانة العامة في الرباط، وخزانة القرويين بفاس، والخزانة العامة والمحفوظات بتطوان، وخزانة ابن يوسف بمراكش.

اما مضامين ومحتويات هذه المخطوطات، فهي تشمل جميع مجالات المعرفة والبحث والابداع من الفكر والأدب والفن وعلوم الدين واللغة والتصوف والطب والفلك والحساب والملاحة وغيرها من اصناف العلوم، فقد كان للمغرب كما يقول احمد شوقي بنبين، محافظ الخزانة الملكية، عبر تاريخه الطويل «حضور ثقافي كبير وشأن خاص مع المخطوطات يفخر به بين الدول، فالمجموعات الخطية التي زخرت بها خزائن الملوك والجوامع والزوايا قديما والتي لا تزال تزخر بها إلى اليوم العديد من المؤسسات المكتبية بالرغم مما تعرضت له من إبادة وإحراق وسرقة» تبقى بنظره دليلا على «اندماج المغاربة في الحضارة العربية الإسلامية منذ القرون الهجرية الأولى، وعنوانا على حبهم للكتاب وشغفهم بشكله ومحتواه وهيامهم بجماله وصوره وزخرفته. ونظرا لقيمة المخطوطات المتوفرة في الخزانات والمكتبات المغربية، فقد بذلت جهود كبيرة من اجل معالجة هذا الرصيد المعرفي الانساني والحفاظ عليه واستثماره في البحث والتبادل، عبر استعمال التكنولوجيا الحديثة، في مجالات المعالجة، والترميم والتصوير والترقيم، وذلك من خلال مجهودات المختبرات المغربية وخاصة مختبر المكتبة الوطنية بالرباط، ومختبر القرويين بفاس، ومن خلال مجهودات الفهرسة والترقيم التي تقوم بها المكتبة الوطنية والخزانة الملكية ومن خلال عدد من المبادرات، من بينها جائزة الحسن الثاني للمخطوطات، ومجهودات التحقيق والفهرسة التي تقوم بها الجامعات المغربية. كما اكد محمد الأشعري، وزير الثقافة المغربي، الذي اعتبر ان هذه المخطوطات «تشكل مصدرا أساسيا من مصادر الهوية المغربية، ومرجعا ثريا من المرجعيات الحضارية الكونية، ساهم في تلاقح الثقافات والحضارات وتمازجها. مخطوطات المعرض تتميز ايضا بجمالية خاصة على مستوى الخطوط والزخارف، التي تزين صفحاتها وأغلفتها، الأمر الذي يدفع الزائر الى التدقيق مليا فيها، لعله يكشف سرا من أسرار الابداع التشكيلي والفني بين الكلمات والسطور المدونة فيها، ويتساءل ايضا عن حدود الصبر الذي كان يتمتع به الخطاطون لنسخ كتب ومؤلفات بتلك الاحجام بخط اليد، وبأدوات تقليدية وبسيطة للغاية.

وفي هذا السياق، يقول بنبين ان النماذج المختارة من المخطوطات «تمكن المشاهد والباحث والفضولي على السواء، من أخذ فكرة عن التنوع والغنى التشكيلي لفن الزخرفة والتهذيب الذي خضعت له هذه المخطوطات التي تزين خزائن القصور، والوجهاء، والعلماء، والمدارس العتيقة، والزوايا التي يرجع لها الفضل في الحفاظ على هذا التراث»، ولا يقتصر الأمر على «النسق الزخرفي والصيغة الجمالية التي تتميز بها هذه المخطوطات، بل تكمن أهميتها ايضا في النصوص العلمية النادرة القديمة التي تتضمنها، والكتب التي نسخها النساخ المهرة وكتبها العلماء أو أملوها في حلقات الدروس على الطلبة المتحلقين حولهم أو خطتها أنامل الملوك والأمراء، من بينها المصاحف المنسوبة إلى الملوك مثل مصحف الخليفة الموحدي عمر المرتضى، الذي لا تزال بعض أجزائه ونتف من الأجزاء الأخرى محفوظة بالمغرب. ومن بين المخطوطات النادرة المعروضة في معرض الرباط نجد: كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض، «دلائل الخيرات» لمحمد بن سليمان الجزولي، «الجامع الصحيح لمحمد بن اسماعيل البخاري»، «مختصر العين» لأبي بكر الزبيدي، «ديوان المتنبي» لأبي جعفر سعيد بن سعود الماغوسي المراكشي، كتاب «التصريف لمن عجز عن التاليف»، للزهراوي أبي القاسم خلف بن عياش الاندلسي، الى جانب عدد من المصاحف.