لا تستقل قطارا للذهاب إلى المتحف في نيويورك.. عليك فقط زيارة المحطات

لكن المسافة بين «قاعات العرض» طويلة وتصل إلى 180 ميلا

TT

خلال فصل الصيف الماضي، كانت تنتظرني دائما هدية في محطة القطارات الارضية (14THE STREET) في نيويورك. فعندما اغادر مركز سانت فينسنت للسرطان، الذي كنت ازوره مرة كل اسبوعين لتلقي العلاج الكيميائي كنت اشعر بالارهاق والتعب والاكتئاب.

غير ان حالة الاكتئاب تزول قليلا عند مشاهدتي رجلا صغير الحجم يحمل كيسا للنقود، يجلس بهدوء على رصيف محطة 8TH AVENUE والقطارات تمر من امامه، وكان دائما يظهر مرتديا ملابس انيقة وربطة عنق (بابيون) وحذاء انيقا نظيفا، وكانت ساقاه تتدليان من طرف المقعد لانهما قصيرتان.

كان هذا الرجل كل شيء احتاجه في تلك اللحظات المقيتة من يومي، هادئ وصبور ويعطي الاحساس بالثقة. الا ان الاهم من ذلك هو انه كان يدفعني للضحك.

ليس هو وحده الذي كان يضحكني، بل شركاؤه فوق الرأس وتحت القدم، مثل التمساح الاميركي، الذي يظهر من البالوعة لسحب ضحية للمجاري، وهو واحد من عشرات من المخلوقات البرونزية من منحوتات توم اوترنيس ضمن مجموعتة التي يطلق عليها «الحياة تحت الارض»، وهي ضمن 170 عملا فنيا كلفت به هيئة مواصلات مدينة نيويورك منذ 1986 عددا من الفنانين لشبكة مترو الانفاق ومحطات قطارات الضواحي، الأمر الذي كلف الهيئة ما يقارب 1 في المائة من الأموال، التي خصصتها لتحسين صورة المحطات الأرضية. وكنت دائما من المقدرين بكرم هيئة المواصلات، في ما يتعلق ببرنامج الفن للنقل. وفي الصيف الماضي عندما بدأت اعتمد على «الحياة تحت الارض» تبينت ان الهدية هي لي ايضا.

وقد بذل اوترنيس جهدا كبيرا للعثور على وسائل ابداعية لوضع تماثيله، وتحايل على اجراءات تصميم المحطات. فعلى سبيل المثال لم يكن من الممكن التحايل على المساحة المخصصة للمقاعد على ارصفة المحطات لوضع تمثال. ولذا اقترح موظف متعاطف اضافة مقعد اخر لكي يجلس عليه الرجل الصغير.

واوضحت ساندرا بلوودوورث مديرة برنامج الفن في وسائل النقل، ان انخراط قسم تطوير المحطات والمعماريين والمهندسين وخبراء السلامة كان مهما للغاية. وقالت «عندما تقدم الفن بهذه الطريقة الى البيئة المحيطة بالشخص فإن الرسالة تكون واضحة، اي ان هناك اهتماما من قبل المسؤولين بالمكان، وكذلك بالناس المستخدمين له». وكانت ساندرا بلوودوورث قد وصفت، قبل عقد من الزمن، الاعمال الفنية التي يقدمها البرنامج بأنها على نفس مستوى الاعمال الفنية المعروضة في المتاحف. واليوم تروج للبرنامج، باعتباره مؤسسة للفنون العامة قائمة بذاتها، تضم اعمالا لعدد من كبار الفنانين والنحاتين، امثال فيتو اكونتشي وروماري بيردون وايريك فيشال وروبرت كوشنر وجيكوب لورانس وسول ليويت وروي ليتشينستاين ومايا لين وماري ميس واليزابيث موري ودنيس اوبنهايم وفيث رينغولد واليسون ستار وروبرت ويلسون. «اشعر اليوم ان هذا التوجه اصبح هو الهدف بحد ذاته». قالت ساندرا بلوودوورث، مضيفة «نعم انه المتحف كما نريده». وكانت ساندرا تتحدث وهي تسير الى جوار جدارية من تصميم آل هيلد المعروفة باسم «المرور» في محطة «لكسينغتون افينيو». وشعرت بتفاعل الركاب مع العمل الذي يتمتع بألوان حادة ويتضمن الواح زجاجية وغيرها من مكونات العمل. وترى انشداد الناس للعمل الفني، وهم في طريقهم لزيارة متحف نيويورك للفنون الحديثة الشهير. اربعة منهم كانوا ينظرون الى الجدارية باعجاب شديد وانجذاب، مما سبب التواء في اعناقهم بعد ان اخذهم الدرج الكهربائي بعيدا عن المكان. «لهذا السبب نقدم هذه الأعمال»، قالت بلوودوورث. ورسم دخول هذا المتحف هو ثمن تذكرة القطار. ولكن المسافة بين «قاعات العرض» طويلة تصل الى 180 ميلا.

وقد اعدت هيئة مواصلات نيويورك دليلا من 215 صفحة اشرفت عليه ساندرا ووليام ايرس. ويكشف الدليل مدى تنوع الاعمال الفنية الدائمة. وهي تحدد 70 عملا منظما طبقا للفنانين.

المشكلة الوحيدة لهذا الكتاب هو حجمه فهو كبير بحيث لا يمكنك استخدامه بطريقة مريحة كدليل تحمله معك خلال تجولك في محطات المترو. ولهذا السبب اصدرت هيئة مواصلات نيويورك كتابا من 50 صفحة يحدد الاعمال الفنية طبقا لخط القطارات.