الطوارق يحاربون عزلتهم بمهرجانات فنية ويدعون العرب لمشاركتهم

تشارك فيها فرق غربية وحضورها يلزم قطع أربعة آلاف ميل في الصحراء

TT

أن تقطع مسافة ما يقرب من أربعة آلاف ميل في الصحراء في رحلتك، معظمها في مناطق وعرة وطرق غير معبدة وفي قفار موحشة وموغلة، وتحسب نفسك أنك في «أرض المريخ»، كما وصفها أحد الرحالة، لكن من أجل ماذا؟ فقط لمشاهدة أكثر مجتمعات العالم غموضا وعزلة حتى اليوم، يحيون حياتهم الطبيعية ويحتفلون مع بعضهم، وكأن الغبطة قد نزلت عليهم بسبب السياج المنيع الذي ضربته الصحراء عليهم، إذ يعيش هذا الشعب حتى اليوم حياة كتلك التي كان عليها أسلافهم منذ قرون مضت، كما وصفهم حينها ابن بطوطة، ومن بعده الرحالة الفرنسي رود، وغيرهم من رواد الصحراء.

تلك هي المسافة التي يلزمك قطعها، إن أردت مشاركة الطوارق لذة عزلتهم وفرادة عيشهم في تلك القفار، حيث يقيم الطوارق في صحراء أزواد (شمال جمهورية مالي) من الفترة 11- 27 يناير (كانون الثاني) من كل عام، ثلاثة مهرجانات كبرى في ثلاث مناطق مختلفة ومتباعدة، هي المناسبة الوحيدة التي تمكنهم من الالتقاء ببعضهم كل عام وتساعدهم على فك العزلة عنهم، والالتقاء بأصدقائهم في العالم، والراغبين في التعرف عليهم عن قرب.

كانت الفكرة من المهرجانات كما يقول أماني أغ حميا، المشرف على تسيير مهرجان «ايساكن» قرب مدينة تمبكتو التاريخية (شمال مالي)، وهو أحد شبان الطوارق القليلين الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة خارج بلادهم، حيث يقول: بعد رجوعي من الولايات المتحدة وبعد عدة جولات في العالم عرفت كم أن هذه الصحراء الجميلة معزولة عن العالم.. وكم نحن بحاجة إلى التواصل مع الآخرين.. من هنا ولدت فكرة هذه المهرجانات الثلاثة، وهي مهرجان «ايساكن» قرب تمبكتو، ومهرجان «تيسليت» في أقصى طرف من الصحراء بمحاذاة الحدود الجزائرية، ومهرجان «آضر أن بوكار» نحو الحدود النيجرية. ويعد مهرجان «ايساكن» الأكبر لقربه من تمبكتو ولإمكانية الوصول إليه بالطائرة عن طريق العاصمة المالية باماكو، وهو الوحيد الذي تشارك فيه فرق عالمية من أوروبا وكندا والولايات المتحدة وأستراليا والمغرب وعدد من الدول الأفريقية. ويعود الفضل في الترويج له إلى عدد من الفنانين العالميين المتعاطفين مع الطوارق وقضاياهم الإنسانية.

وقد نجح المهرجان في عامه السادس نجاحا فاق توقعات المنظمين بسبب الدعم السخي من ممولين عالميين، أبرزهم المجموعة الأوروبية ومنظمات أميركية، إضافة إلى منظمة اليونسيف وليبيا والمغرب. ويطغى الطابع الموسيقي عليه، حيث يسهر الجمهور حتى ساعات الصباح الأولى، على أنغام عدة فرق عالمية وأنغام متنوعة نابعة من العمق الأفريقي والأفروأميركي وسط رمال تمبكتو، تحفهم أضواء النيران المشتعلة على كثبان تمبكتو الذهبية تحت وقع فناجين الشاي الأخضر الطارقي.

مهرجان تمبكتو اتخذ صبغة العالمية بسبب عدد الفرق المشاركة فيه (12 فرقة موسيقية عالمية ومحلية) إضافة إلى الجمهور الكبير، الذي حضر من أوروبا والولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول.

وقد ضاعف الحضور هذا العام طرح اسم تمبكتو في الاقتراع العالمي كواحدة من عجائب الدنيا، وهو تصنيف تجاهد تمبكتو لنيله عله ينفض عنها غبار العزلة والوحشة، وعن أهلها النسيان الذي يعيشونه في مدينة كانت في يوم من الأيام مهد الذهب الأول في العالم ومحط القوافل التجارية في افريقيا. ويستعرض الطوارق في هذه الناحية شتى فنونهم، كما يصاحب المهرجان عرض للأزياء الطارقية والحرف اليدوية ومختلف عروض الرقص الفلكلوري للطوارق، وذلك بحضور عدد من وسائل الإعلام العالمية.

أما المهرجان الثاني المقام في «تيسليت» على بعد نحو 900 كيلومتر عن مهرجان تمبكتو فيستعرض فيه الطوارق مهاراتهم الرشيقة التي تسابق الرياح سرعة، إضافة إلى عدد من الفعاليات كسباق الهجن ورقصات السيوف، كما يمتاز بمشاركة طوارق الجزائر بفنونهم وصناعاتهم التقليدية.

وينفرد ثالث المهرجانات «آضر أن بوكار» (يبعد نحو 500 ميل عن الثاني) قرب الحدود النيجرية بعرض التراث الطارقي والصناعات التقليدية الفريدة للطوارق. ويشارك فيه طوارق النيجر وبوركينا فاسو بصناعاتهم أيضا.

القاسم المشترك لهذه المهرجانات هو عرض فلكلور الطوارق وموسيقاهم، والتأكيد على وحدة شعب الصحراء الكبرى رغم الحدود. ويحاول الطوارق من خلال هذه المهرجانات التصدي لحملات محو هويتهم، حاملين شعار «السلام والتنمية» في ظل ظروف معيشية صعبة يعيشها شعب الطوارق.

خوض غمار الرحلة إلى هذه المهرجانات يقتضي الإعداد المبكر، والتزود بكافة البيانات التي تساعد على التحرك وسط صحراء قاسية ومتباعدة. وينصح المنظمون السياح الراغبين في حضور المهرجانات الثلاثة بالتحرك في جماعات لا تقل عن أربعة أفراد للمجموعة الواحدة، اذ يمكنهم استئجار سيارة دفع رباعي من العاصمة باماكو، تقلهم إلى المواقع الثلاثة في رحلة لا تقل عن خمسة عشر يوما في الصحراء الكبرى، وعلى السائح فيها التزود بكل ما يلزم من لباس وأدوية ولقاحات وأغطية ومعدات ووسائل اتصال قد يحتاجها أثناء رحلته.

أرض الطوارق أو صحراء أزواد، التي تجري فيها هذه المهرجانات تنقسم إلى قسمين، الأول منطقة تمبكتو وما يمتد نحوها شمال غرب دولة مالي، وهي منطقة بحر الرمال العظيم، أو الرمال الذهبية كما يطلق عليها البعض، ويمتد هذا المحيط حتى أقصى البلاد نحو الحدود الموريتانية والجزائرية عند ممالح أو مناجم الملح التاريخية التي تستغرق الرحلة إليها من تمبكتو نحو أربعة ايام بأفضل السيارات تجهيزا تقطعها خلالها مسافة 1000 ميل.

أما الناحية الأخرى شمال شرق البلاد، أي منطقة كيدال وتيسليت، فهي أرض جبلية وصحراء منبسطة مد البصر، حتى لتخالها نهاية الدنيا وملتقى السموات والأرض، ولا يقطع عزلتها سوى نفر من العرب والطوارق المتناثرين في جماعات صغيرة جدا وسط الصحراء، يرعون إبلهم ومواشيهم وسط عزلة تامة عن العالم. وأثناء الرحلة يمكنك التوقف عند أي خيمة لتتمتع بضيافة البدو، ولعل أفضل مكافأة أو هدايا يمكنك حملها في الصحراء هي الأسبرين، حيث لا تكاد تمر على أي من بدو الصحراء إلا ويطلب منك بعض الأدوية وأهمها الأسبرين وأدوية السعال والحمى. وهذه المهرجانات التي استأثرت وسائل الاعلام الأجنبية بتغطيتها شهدت غيابا عربيا في المشاركة والتغطية الإعلامية، باستثناء فرقة مغربية وأخرى موريتانية في مهرجان تمبكتو، وإذاعات محلية جزائرية، وفريق شركة «هوت سبوت فيلم» المتخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية لعدد من القنوات التلفزيونية العربية. يقول إسماعيل مسيوا المشرف على مهرجان تيسليت، نتطلع إلى أن تلفت هذه المهرجانات انتباه إخوتنا العرب.. لدينا صحراء كبرى مثل صحرائهم وإبل جميلة أيضا، ونتحدث العربية مثلهم، نتمنى أن نتعاون وأن نقيم سباقات إبل مشتركة مع السعودية والإمارات وليبيا ومصر وأي دولة عربية شقيقة.

ويضيف مسيوا، «أرجو أن يحضر عدد كبير من إخوتنا العرب من محبي الصحراء ليروا كم تتشابه صحراؤنا وعاداتنا وتقاليدنا.. تعبنا من احتكار الأجانب لهذه الصحراء.. نريد التفاعل مع العرب لأننا جزء منهم».

وهو استغراب نقله أحد المنظمين الأجانب واسمه نيكولاس هنري قائلا «أتمنى على الطوارق أن يبذلوا جهدا أكبر للتعاون مع أشقائهم في المغرب العربي والشرق الأوسط.. وهو ما سيثري مهرجاناتهم ويمنحها حيوية أكبر.. لتشابه هذه المجتمعات».