نظريات التحول إلى العالم «الرقمي» تصطدم بحاجز «ورقي» في العالم العربي

استهلاك الورق يبلغ 350 ألف طن.. وفي السعودية العلاقة «نفسية»

TT

رغم المد الرقمي الذي بدأ يزحف على كل أشكال الأداء «البيروقراطي» في المؤسسات الخاصة والحكومية العربية، ويتجاوزها لذهنية الأجيال الناشئة، فإن الورق الأبيض ما زال هو آخر ملامح القرن الماضي، الذي يصر على أن يظل ملازما لحركة الزمن وإيقاع الحياة وشاهدا رسميا على كل تفاصيلها.

ورغم صيحات الحكومة الالكترونية التي تطلقها الجهات الرسمية، فإن علاقة طردية في تعلق الناس أكثر بالورق تتعالى مع تلك النداءات، وهو ما يفسره الخبراء بأن للورق ملامح أخرى لم تؤخذ في حسابات المخططين لإقناع الأفراد بالانتقال إلى العالم الرقمي. كما أن البنية التحتية سواء الفنية أو البشرية، ما زالت غير قادرة على تحقيق نظرياتها على أرض الواقع.

وخلال الأسبوع الماضي، أعلن اتحاد الناشرين العرب ضمن تقريره السنوى أن الدول العربية تستهلك من الورق سنويا ما يقارب 350 الف طن. وأوضح الاتحاد في تقريره الذي جرى توزيعه على فروعه في الدول العربية، أن ارتفاع استهلاك الدول العربية من الورق يشير الى تنامي حركة التأليف والنشر للكتب بمختلف التخصصات الأدبية والثقافية والعلمية وغيرها في الدول العربية· وهو التقرير الذي تم توزيعه ورقيا وبخطابات رسمية لكل فروعه، ليتم إرساله ورقيا عبر «الفاكس» إلى معظم وسائل الإعلام. وتعكس حالة الابتهاج التي تضمنتها صياغة الخبر دعوة للتشجيع على التوسع في استهلاك الورق، في وقت تنشط فيه جماعات صديقة للبيئة بإجراء بحوث ودراسات لانتاج مواد صديقة للبيئة يمكن من خلالها التقليل من حجم استهلاك الورق والاستفادة من عمليات التدوير.

ويقول حسن الطويرقي، وهو معلم لغة عربية في إحدى المدارس الثانوية بجدة، «منذ سنوات نسمع عن نقلة نوعية في تحويل التعليم إلى الكتروني، والتقليل من الكم الكبير من الاوراق المستخدمة في تأليف الكتب الورقية أو الدفاتر المخصصة لكتابة الدروس اليومية»، ويضيف الطويرقي «مقرر من 200 صفحة يمكن اختصاره في قرص ممغنط صغير واستخدامه عشرات المرات، لماذا ـ فعلا ـ لا نتحرك ولو في اتجاه واحد. نحتاج لتغيير مفاهيمنا حتى نستطيع تقبل القرارات الورقية».

ويعزو كثيرون ارتباط الناس بالورقة «السحرية» البيضاء والمعروفة بـ«A4» كونها تدخل في كل يومياتهم. يقول فارس القحص، وهو رجل أعمال، معلقا على حكايته مع الورق «ورثت التجارة عن أبي الذي كان يتعامل بكلمة شرف في كل شيء. لكنني كغيري لا أجد الامر ملزما سوى بورقة بيضاء بيني وعملائي نسودها بعدد كبير من الشروط الملزمة لكلينا. وقتها أشعر بالالتزام. ربما المسألة نفسية وضرورية. لم نصل بعد لعقد التزاماتنا بالبريد الالكتروني مثلا».

ويضيف القحص، فيما يلوح بكمية من الاوراق البيضاء المتكدسة أمامه «المشكلة أن حياتنا تبدأ بورقة للميلاد وأوراق للشهادات الدراسية والخبرات العملية، لتنتهي عند ورقة بيضاء ممهورة من الصحة تعلن نهاية عقد الشخص مع العالم الورقي».

ومن جهة أخرى تشير تقارير طبية الى أن الاوراق وخاصة «النقدية» منها تتسبب في أمراض مختلفة من بينها التهاب الرئة والسل الرئوي، وأنه يجب الحيطة عند المتعاملين معها كموظفي البنوك بأخذ الاحتياطات الصحية اللازمة. كما أن البعض يرى الاوراق سببا في كثير من الامراض النفسية، خاصة أن الاوراق تحمل كل الاخبار «السيئة» والسعيدة» وهو ما يعني حسب المتخصصين في علم النفس ارتباطا «شرطيا»، خاصة عند المصابين بالامراض العصابية كالوسواس القهري والقلق.

كما يرى البعض أن المثقفين وهم أكثر الفئات تعاملا مع الورق في حياتهم، أنهم مطالبون اليوم باتباع أشكال جديدة في طرح مؤلفاتهم أو انتاجهم والتشجيع على القراءات الالكترونية لصناعة جيل قادر على التعامل مع معطيات العصر الجديد، وتفعيل دورهم كمثقفين في الريادة بدلا من أن يظل انتاجهم على حساب البيئة في العالم.

والطريف أن الاوراق شكلت لدى السعوديين جانبا فنيا في أعمال طربية من العيار الثقيل بدأها فنان العرب محمد عبده قبل ثلاثة عقود بأغنية «لا تردين الرسايل.. ايش أسوي بالورق»، التي لا تزال تحصد اعجابا كبيرا من الجمهور العربي، وتوجها الفنان السعودي عبادي الجوهر بأغنية «حبر وورق.. صارت حياتي كلها حبرا وورقا»، وهي الأغنية التي ما زالت الاكثر طلبا من جمهوره العريض، إضافة لأعمال أخرى لعب الورق فيها دور البطولة بين الأحبة.

كما أن الحديث عن انحسار الصحافة الورقية وتحولها إلى الكترونية ما زال محل شد وجذب، خاصة في ظل عزم كثير من القنوات الفضائية أو الصحف الالكترونية على إصدار طبعات ورقية منافسة للصحف القائمة. معللين رغباتهم تلك بالدراسات المشجعة في هذا الجانب، خاصة في العالم العربي الذي يشهد انفتاحا إعلاميا كبيرا على مستوى الترخيص للصحف بالصدور ورقيا.