سوق السلاح.. شاهد على العصر المملوكي

أسبلة ومساجد وحمامات شعبية وبوابة تاريخية..

TT

علي الرغم من اندثار مهنة أصحاب الشارع وسكانه منذ زمن بعيد، إلا انه ما زال يحتفظ باسمه الذي عرفه الناس به منذ ما يزيد على خمسة قرون. إنه شارع سوق السلاح ذو المباني العتيقة والآثار الرائعة التي تتنوع بين المساجد والأسبلة، والبوابات، والحمامات الشعبية لتعزف مع بعضها البعض سيمفونية تاريخية أثرية تعبر عن العصر المملوكي في كل حجر من تلك الآثار. فعلي الرغم من حال الشارع الذي فقد الكثير من عناصر الابهار الأثري، إلا انه وبحق ما زال يمنحك رائحة التاريخ كلما مررت به.

يقع شارع سوق السلاح الذي يعود تاريخه الى ما يزيد على 700 عام في منطقة الدرب الاحمر بجنوب القاهرة. وكان يطلق عليه في البداية «سويقة العزي» نسبة الى الأمير عز الدين بهادر، أحد أمراء المماليك البحرية الذي يقال انه كان يسكن فيه. ولكن وبمرور الوقت بدأ الناس يطلقون على الشارع اسم «سوق السلاح» نظرا لوجود العديد من ورش ومصانع الأسلحة على اختلاف انواعها فيه، من رماح وسيوف ودروع. حيث كان الشارع يقدم خدماته التسليحية للقلعة أثناء حكم المماليك بمصر. ولكن ومع تراجع الطلب على تلك النوعيات من الأسلحة، تحولت الورش الموجودة في الشارع الى محلات لإصلاح الأسلحة من مسدسات وبنادق. وفي الخمسينيات من القرن الماضي اختفت هذه المهنة أيضا شيئا فشيئا وتحولت أنشطة المحلات الى مجالات اخرى لا علاقة لها بنشأة الشارع كسوق سلاح، ورغم ذلك ظل محتفظا باسمه الذي لم يعد يدل عليه، ولكنه يؤكد على تاريخه الطويل في هذا المجال.

أول ما يلفت انتباهك عند دخولك الشارع تلك البوابة القابعة عند بدايته وتحمل اسم «منجك السلحدار»، وهي من أروع الآثار التي يرجع تاريخها الى العصر المملوكي، وأنشأها الأمير «سيف الدين منجك السلحدار» عام 1347 وكانت تعد في العصور الأولى للشارع المدخل الرئيسي له. وتحتوي البوابة التي ما زالت تحتفظ برونقها التاريخي على الرغم من سنوات عمرها المديد، على بعض الرسومات لسيوف ودروع توضح ما كان عليه الشارع قديما كموقع لإنتاج السلاح، كما تمت إحاطتها بسور حديدي للحفاظ عليها من أكوام القمامة التي صارت تحيط بها. وعلى بعد خطوات من البوابة يأتي جامع «الجاي اليوسفي» الذي أنشأه الأمير «سيف الدين الجاي بن عبد الله اليوسفي» عام 1373 كمدرسة ومسجد. ويتميز المسجد بأبوابه العملاقة وساحته الداخلية الكبيرة. وقد أطلق عليه الناس اسم جامع «السايس» والسبب في ذلك يعود للسايس الذي كان يرعى فرس السلطان حسن، ويقال انه دفن أسفل المسجد في مكان مجهول. وإلى جانب هذا المسجد، هناك عدد آخر من المساجد من بينها جامع «قطلبغا الذهبي» الذي أنشئ في منتصف العصر المملوكي كمسجد وكتاب لتحفيظ القرآن، وقام الخديوي عباس حلمي بترميمه. كما يوجد في نهاية الشارع مسجد «عارف باشا» الذي بات يعاني من العديد من الشقوق التي تفصل جدرانه، الى جانب القضبان الحديدية التي تسنده وتحول بينه وبين السقوط.

المساجد والبوابة ليست الآثار الوحيدة التي تميز شارع سوق السلاح، حيث يضم أيضا بين جوانبه حمام «بشتاك» الذي يعد من أشهر وأندر الحمامات في مصر وأنشأه الامير «سيف الدين بشتاك الناصر» عام 742هجرية. وظل الناس يستخدمونه لسنوات طويلة، إلا انه لم يعد يستخدم الآن بعد أن تم غلقه منذ حوالي أربع سنوات. وقام المجلس الأعلي للآثار بإصدار قرار بترميم حمام بشتاك، ولكن رغم ذلك فأكوام القمامة تملأ المكان وأقفاص الخضروات والفاكهة تحيط به مما يشوه منظره.

وعلي بعد خطوات من حمام بشتاك يقع سبيل «رقية دودو» الذي أنشئ كصدقة جارية علي روح «رقية دودو بنت بدوية شاهين بنت الامير رضوان بك» عام 1174. وتقع الواجهة الرئيسية له على شارع سوق السلاح، وكان يجسد قمة التطور الفني لذلك العصر بما يضمه من مشغولات نحاسية وحوض سبيل، الى جانب انه كان مدرسة لتحفيظ القرآن والأحاديث النبوية.