معزوفة لونية هادئة تبتكر إيقاعها من سخونة اللون ونعومة الخط

في معرض فاروق حسني بالقاهرة

TT

في معرضه الجديد المقام حاليا بقاعة الزمالك في القاهرة قدم الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري تجربته الجديدة في فن التصوير، طارحاً وجهة نظره الفلسفية حيال أمور وأحداث هي كل ما يمثل عالمه التجريدي، مستخدماً لها خامة الإكريلك لتكون وسيطاً لونياً مناسباً لمساحاته وتكويناته عالية الدراسة، ولأنه يمتلك خبرة بصرية من نوع خاص، لذا فإن دلالة الشكل لديه لا تعكس مضمونه وإنما يمتد الحوار معه لمجالات أكثر عمقاً من مجرد فهمه وتحليله..إنها لغة ليست كلامية أو شكلية بقدر ما هي إدراكية حسية راقية، فهي مفردات موسيقية قد توزعت بفعل حركة الفرشاة الناعمة المرنة على مسطح مؤهل لتلبية احتياجاته بما يتوافق وشفافية الحالة التي تمثلها.

تذكرك مشاهد المعرض المتجاورة بشيء من تبسيط واختصار السويسري/الألماني الشهير بول كلي والمراحل الأخيرة لشفافية ورفاهة الاسباني خوان ميرو، فنراه يمزج بينهما في اتجاهيهما، وفي الوقت نفسه يختلف عنهما في رؤيته التشكيلية بما يعكس خصوصيته المتفردة للغاية واختصاره البالغ الشفافية، فالأعمال لها إيقاع موسيقي هادئ، بحيث يمكن سماعها خلال عملية المشاهدة، فالفنان يترجم لنا مفرداته من داخل الحياة في أشكال ابتكرها بحساسية تحسب له حيث يمزج بين سخونة اللون ونعومة الخط مستعيناً بمساحات لونية غير محددة أو متماهية مع خلفية باردة هادئة لتكون دلالة الشكل ممتدة غير قاصرة على وجوده، فيمكنك أن ترى مساحة لونية سوداء على أنها طريق إسفلتي، أو ترى لونا أخضر على أنه حقل وأشجار.

الأمر نفسه مع الأزرق فيمكن أن تتخيله كأنه سماء تسبح داخلها كل المفردات، فيما تشكل الألوان الدافئة بؤرة التوازن الانفعالي الذي ينتظم حركة الفرشاة لتكون وسيطاً ناجحاً لمواراة الحقائق الشكلية. وعلى رغم ذلك فأعمال فاروق حسني في هذا المعرض وغيره تدخلك في حوار معها، وهو حوار غير مرئي يمسك ويخطفك على نحو مباغت، حتى أنك حين تعود لمشاهدة هذه الأعمال مرة أخرى تستشعر بأن هناك جملة حوارية أو استفهاما ينقصك، وتحتاج دائماً أن تطرحه بالتردد عدة مرات لتكرار المشاهدة، ناهيك عن أن قاعة العرض وشكله وسياسته يدخل كمفردة أساسية في نسيج هذا الطقس.