الديون تغلق موقع المعرض على الإنترنت وندواته تخاصم السياسة

ارتفاع كبير في أسعار الكتب وسور الأزبكية يجتذب الجمهور بالمجلات والكتب القديمة

TT

«هذا الموقع موقوف للتأخير في سداد المستحقات المالية، برجاء سداد كامل المستحقات ليعود إلى العمل» هذه هي العبارة التي سيجدها من يدخل على موقع معرض القاهرة الدولي للكتاب هذه الأيام، بحثا عن مواعيد وندوات وفعاليات المعرض في دورته الـ 39 التي بدأت من 23 يناير (كانون الاول) وتستمر حتى 4 فبراير (شباط) الجاري، بمشاركة 667 ناشرا من 26 دولة منها 16 دولة عربية، وهو الأمر الذي سيجعل من يريد أن يعرف أي أخبار عن المعرض من خلال قنواته الرسمية لا يجد شيئا فيردد «أول القصيدة كفر». «البعد عن السياسة» كان شعار المعرض هذا العام في كل فعالياته، بداية من اختفاء المظاهرات التي كانت تطوف أرجاءه خاصة في السنوات الأخيرة مرورا بالرئيس مبارك، الذي قرر هذا العام أن يفتتح المعرض بدون أن يلتقي بالكتاب والمثقفين كما تعود أن يفعل كل عام، وهو ما دفع العديد من المثقفين طرح تساؤل حول هل تم إلغاء اللقاء السنوي للرئيس بالمثقفين، أم تم تأجيله، وهو السؤال الذي لم يجد إجابة شافية من المسؤولين بوزارة الثقافة.

السياسة أيضا غابت، أو غيبت، كما يفضل المعارضون أن يقولوا، بسبب عدم وجود ندوات تناقش قضايا سياسية داخلية هذا العام، رغم سخونة الأجواء السياسية في مصر بداية من التعديلات الدستورية، حديث مصر في الآونة لأخيرة، مرورا بالقضايا التي تفجرت في مصر خلال العام الماضي مثل الإصلاح القضائي والحياة الحزبية المتناحرة وقضايا الفساد، الأمر لم يقتصر على استبعاد القضايا السياسية الداخلية فحسب، بل امتد إلى القضايا السياسية الخارجية، وبدا غريبا تصريح الدكتور ناصر الأنصاري مدير معرض الكتاب في مؤتمره الصحافي في بداية انطلاق المعرض أنه لم تتم مناقشة القضية الفلسطينية والعراقية واللبنانية والسودانية وغيرها من القضايا الإقليمية لأن «هذه أمور داخلية للدول لا يصح أن نتحدث فيها» على حد تعبيره.

الأمر لم يقتصر على هذا، وبالرغم من أجواء الهدوء النسبية التي تسود المعرض إلا أن باطن جلسات المفكرين والمثقفين يغلي خاصة بعدما أثير موضوع تغييب، بحسب آراء بعض المراقبين، بعض العناصر السياسية والفاعلة في الوسط السياسي المعارض، فيما يفضل البعض تعبير «استبعاد» عدد من المثقفين ذوي الاتجاهات المعارضة للنظام من المشاركة هذا العام أمثال أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة الذي كان يشارك سنويا في فعاليات المعرض ولم توجه له الدعوة هذا العام للحضور، والدكتور محمد السيد سعيد نائب مركز الأهرام للدراسات السياسية الإستراتيجية، وكذلك الدكتور جلال أمين، والكاتب الإسلامي فهمي هويدي، والمفكر محمد سليم العوا، والدكتور أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة «السياسة الدولية» والمنشق عن الحزب الحاكم. الهدوء الذي خيم على معرض القاهرة للكتاب هذا العام انعكس على العديد من الندوات الثقافية وخاصة الشعرية والثقافية منها، فقد خلت معظم قاعات مناقشة الكتب والدواوين من الجمهور، ولم يجلس في مقاعد الجمهور سوى منظمي الندوات، في حين فضل الكتاب والمثقفون الجلوس في المقهى الثقافي لاحتساء القهوة وتدخين الشيشة.

ورغم أن معرض القاهرة الدولي للكتاب كان يفخر كل عام بدعوة عدد كبير من الكتاب العرب والأجانب الكبار، إلا أنه اكتفى هذا العام بزيارة الأديب التركي أورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل العام الماضي في الآداب، وذلك بعد أن حصلت هيئة الكتاب على حق ترجمة ثلاث روايات له، صدرت منها اثنتان، ولم يبق باموك في المعرض سوى يومين عقدت له خلالهما ندوتان، الأولى كانت مع أعضاء لجنة القصة والرواية في المجلس الأعلى للثقافة، والثانية مع الجمهور.

الحديث عن مصادرة الكتب هو الحديث المفضل للمثقفين، ورغم نفي المسؤولين عن المعرض مصادرة أي كتاب هذا العام إلا أن بعض الناشرين أكدوا العكس، ولعل أبرز الكتب التي تم منعها هذا العام كتاب «مصر.. متغيرات الداخل والخارج» للكاتب الأميركي وليم ببري المتخصص في الشؤون السياسية للشرق الأقصى والأدنى. وبحسب ما ذكره موقع «المصريون» على الانترنت فقد تلقت الدار اللبنانية تهديدات بإلغاء اشتراكها إذا أقدمت على عرض الكتاب المترجم إلى العربية، والذي يبحث في التحولات التي شهدتها مصر خلال 30 عاما.

ومن الكتب التي تم منع دخولها هذا العام أيضا ما ذكرته دار الآداب البيروتية من عدم السماح لها بدخول بعض المطبوعات الأجنبية مثل روايتي «زوربا» و«مريم الحكايا» وغيرهما. الطريف أن مكتبة مدبولي، التي يسميها البعض مخزن الكتب المصادرة، كانت ترسل من يطلب أحد الكتب المصادرة بالذهاب إلى مكتبتها في وسط القاهرة ليأخذ النسخ التي يريدها، بأضعاف ثمنها.

معرض الكتاب الحقيقي هذا العام، وربما ككل عام، تجده في سور الأزبكية، فهناك تجد عملية بيع وشراء حقيقية بعيدا عن الصالات الكبيرة المغطاة حيث يختلط باعة الكتب القديمة بمجلات الأبيض والأسود والهواتف النقالة والحلوى وشرائط الكاسيت. ورغم أن الأنشطة الثقافية المصاحبة للمعرض تبلغ 400 نشاط تتنوع بين ندوات ومناظرات وموائد مستديرة وأنشطة موسيقية وسينمائية، وعدد الضيوف في هذه الأنشطة يتجاوز 1000 ما بين كاتب وشاعر ومسرحي بحسب الأرقام الرسمية.. إلا أنه من الطريف أن نذكر أن العديد من الأسر المصرية تعتبر معرض الكتاب مكانا جيدا ورخيصا لقضاء أجازة نصف العام، وشراء بعض إكسسوارات الهواتف الجوالة، وشرائط الكاسيت وبعض الأدوات المنزلية، ولهذا لم يعد احد يفاجأ بهذا العدد الكبير من الأسر. وأخيرا يرى البعض ان معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 39 يلخص في المثل الشعبي المصري الشهير «مولد وصاحبه غايب».