المسـرح الرافديــني في السويد يقدم عرضه الجديد «الشـــاهد»

فاوست يحالف مفيستو ولوسيفر في «القيامة العراقية»

TT

يستعد تياتر ميزوبوتاميا أو المسرح الرافديني، لتقديم عرض المسرحي الجديد «الشاهد»، نص الكاتب فاروق محمد، وإخراج الفنان حسن هادي، وتمثيل الفنان اسعد راشد. وستقدم الفرقة عرض الافتتاح يوم الجمعة الثاني من مارس (آذار) المقبل على مسرح الـ«ماف ثياتر» في مالمو بالسويد، وهو العمل المسرحي الأول لعام2007 للفرقة التي دأبت على تقديم عرض مسرحي واحد في السنة، وهو تقليد تواصله منذ تأسيسها عام 1998. وسبق لتياتر ميزوبوتاميا أن قدم: «العشب ينمو دائما قي الجهة الأخرى» عام 1999، «يحدث هكذا» عام 2000، «أين ومن أنا» عام 2001، «النهضة» عام 2002، «البيانو» عام 2003، «ليكن مَنْ !» عام 2004 و«الهنا والهناك» عام 2005.

يبدو «البطل» في مسرحية «الشـاهد» مثل الدكتور فاوست في الأساطير التي نسجها الألمان، والتي حولها فولفغانغ فون غوته إلى مسرحية خالدة، عن السحرة في القرون المظلمة. فالدكتور فاوست، الساحر وعالم الغيب الغامض، يعقد حلفا مع لوسيفر(إبليس) عبر الوسيط مفيستو كي يخضع الشيطان لإرادته وخططه ويضع عظماء العالمَين العلوي والسفلي تحت تصرفه. ويرافق فاوست حليفه إبليس في رحلات عديدة يستعرض فيها سطوته وسلطانه على عالم الأحياء والأموات.

يتحالف الشاهد، الذي يشهد موت الجميع، مع مركز القرار الكبير،الطاعون والملك، وصولا إلى أهدافه. فهو الدفان وبائع الأكفان عديم الضمير، قارئ الموت في عيون الناس وحليف الموت والطاعون في قيامتهما على البشرية. تعلم أسرار الموت من السيد الرهيب، الموت نفسه، وكان يدخل البيوت بصحبة الوباء، يكمل عمل الطاعون، ويبعد الموتى عن نظر الأحياء. وهو الخوف نفسه، لذي يحول الناس إلى فئران صغيرة تنقل الطاعون إلى جحور بعضها.

وأمام هذا التحالف الشيطاني، يدب الخوف في القصر فيقرر الملك، بحثا عن النجاة، ان يسكن قبو الدفان، المكان الوحيد الذي لم يصل اليه الموت، مضحيا بالبلاد كلها عدا متعه الشخصية. ويتحول بائع الأكفان، الذي يكافئه الطاعون بأن يزوده بالمناعة ضد الوباء، إلى فارس أمل تحتمي به الملكة وغيرها من سكان القصر. ويتحول الملك، في المسرحية مصدر بؤس الناس وشقائهم، إلى دكتاتور بائس إزاء التحالف الشيطاني بين الموت والطاعون والدفان، ويرتضي العزلة والذل حياة له، فللخوف سلطان كسلطان الطاعون، والسلطة قوة لا تجد من يقاويها، ورأي لا يجد من يعارضه… «لقد أنستني السلطة ويلات الناس وخوفهم وجعلتني لا أرى في الحياة غير حياتي» (الدفان ـ الشاهد).

أخيرا تهب ريح الطاعون الرهيبة باتجاه القصر ويكتسح الموت الجميع فلا يترك حيا في القصر. ويدخل الطاعون قبو الدفان ليأخذ الملك والملكة. ولا يبقى في فراغ الحياة غير الشاهد يتوج نفسه ملكا، لكن الطاعون لا يمهله طويلا فيخاطبه الشاهد: أنا أنا! لماذا أيها الرهيب!؟ بدأت حياتي الآن! ثلاثون عاما وأنا في هذا القبو. ما الخطأ الذي ارتكبته: كنت وما زلت أسعى بين يديك كالتابع المخلص والخادم المطيع. لقد اخترتني وعلمتني وتبعتك. لم أفعل سوى ما يرضيك.

سعى الإنسان منذ الأزل للبحث عن تحالفات تقف ما وراء الطبيعة في مسعاه للخلود والصعود إلى الأعلى. وكان السحر والجن وتحضير الأرواح تعبيرا عن الإنسان الخائف في بحثه عن القوى السحرية والشيطانية المتمردة والخارجة على إرادة الألوهية.

ومسرحية الشاهد، السوداوية الظاهرة، تعبير عن عودة المجتمع إلى العصور الغابرة يوم كان الكاتب الإسباني كالديرون يصيغ تحالفات كوبريانوس الأنطاكي مع الشيطان في مسرحية «الساحر العجيب». هي عودة إلى العصر الوسيط حيث كان الشيطان يشغل أذهان الناس في كل مكان حسب نيتشه ويبيع الإنسان نفسه إلى الشيطان كي يتعلم السحر، كما فعل فاوست، وهو أساس حرق الساحرات في التاريخ المسيحي.

تقول الأسطورة ان فاوست، قبل توقيع العهد مع الشيطان، تعلم السحر من البابليين بعد أن تعلم العربية والتركية. وربما أن الجامع بين «الشاهد» و«فاوست» ليس السحر البابلي فحسب، وإنما الحلف مع «لوسيفر» الملقب بالأساطير بـ« أمير الشرق». ولكن، لماذا اختيار هذا النص السوداوي الآن؟ يقول الفنان اسعد راشد، المدير: إن المسرحية اشارة مهمة إلى الطغاة وتجار الموت الذين يأسلبون الحياة وظروفها المختلفة وصولا إلى مزيد من التسلط بغض النظر عما يلحق بالناس والمجتمعات من ضرر. وهي في ذات الوقت تأكيد على أن مفاهيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية والسلام هي أعمدة المجتمع الجديد ونقيضة الموت والحروب والشمولية التي لا تستثني أحدا. تبدو نهاية «الشاهد» هنا مثل موت الدكتور فاوست في نهاية الاسطورة، يموت لأنه كتب ميثاق الموت بدمه وحدد فترة الميثاق بـ24 سنة، يحق للشيطان بعدها أن يأخذ روحه مقابل ما تمتع به من سلطان على الآخرين. يقف مفيستو عند قبر فاوست ويقول عن مهمة أخذ الأرواح «في الماضي كان بوسعي إنجاز الأمر بمفردي، أما اليوم فلا بد لي من مساعدين. في الماضي كانت الروح تخرج مع آخر نفس.. فكنت أترصدها، ومثل القط السريع جدا كنت التقطها بين مخالبي المتوترة بثبات. أما الآن فانها تبدي حركات ولا تريد الخروج من المكان المظلم، فلا بد لي من مساعدين...».