أشقياء الموضة الثلاثة يحركون أسبوع باريس للملابس الجاهزة

غاليانو يحتفل بالـ«ساموراي» وفيفيان ويستوود بإنسان الكهف... وغوتييه يقدم لوحات راقصة

TT

عرض من تقديم البريطاني جون غاليانو لدار كريستيان ديور ومن دون ماكياج سريالي، ومن دون أزياء تحتاج إلى خياله الخصب لفك طلاسمها، ومن دون إخراج وأجواء مسرحية تضج بالدرامية؟ يالها من مفاجأة لذيذة.

في العرض الذي قدمه هذا المصمم المسكون بكل ما هو فانتازي، أكد انه بعد عشر سنوات مع ديور، دخل مرحلة جديدة من حياته العملية. مرحلة يتقن فيها لغة الفن والسوق على حد سواء. فبعد تشكيلة فنية لا يعلى عليها في موسم الهوت كوتير، أتحفنا فيها بترجمة عصرية لإرث مؤسس الدار في الاربعينات، وبالذات الثورة التي احدثها آنذاك بابتكاره ما اصبح يعرف بـ«نيو لوك»، وطاف بنا من خلال أرض اليابان، بكل ألوانها وطقوسها، عاد وقدم نفس الأفكار في ملابسه الجاهزة، لكن بأسلوب عملي يمكن لأي واحدة منا ان تتصور نفسها وبسهولة، على شرط ان تكون لها الإمكانيات المادية والرغبة في ان تكون هي نجمة أي حفل او سهرة. أسلوب الخياطة الرفيعة (الهوت كوتير) كان حاضرا في كل التفاصيل، بدءا من التصميم إلى الخامات مرورا بالتطريزات الغنية التي كانت إلى عهد قصير، قصرا على أزياء الهوت كوتير. ما كان غائبا هو عنصر الفانتازيا فقط. بعد العرض أعرب فرانسوا ليساج، صاحب أشهر دار تطريز في العالم عن إعجابه بقوله: «إنها تشكيلة رائعة، تفوق فيها غاليانو على نفسه...أخيرا نجح في تقديم تشكيلة كل ما فيه ينبض بالعملية والواقعية والجمال». الملاحظ ان غاليانو، ومنذ عدة مواسم، يعود إلى إرث المسيو ديور، وثورته، التي أعطت المرأة خصرا نحيلا لينحته على طريقته وحسب رؤيته. هذه المرة جاء كل شيء، الخصر والاكتاف والأكمام والحقائب والقبعات، يابانيا، يضج بألوان الأخضر والبنفسجي والاصفر والبيج، وغيرها من الالوان الطبيعية، إلى حد كاد فيه الأسود أن يغيب تماما لولا فستان سهرة يتيم في آخر العرض، وإثنان مزج فيهما الأبيض مع الأسود. القطعة الثانية التي غابت البنطلون، مما يجعلها تشكيلة مناسبة أكثر لحفلات الكوكتيل والمناسبات الخاصة. ما أسهب فيه في المقابل، استعمال الجلود الطبيعية المترفة، بما فيها فرو الثعلب، في تصاميم مستمدة من الأوريغامي في الجيوب، مثلا، وتطريزات تستحضر أكمام الساموراي المنفوخة.

الشعور الذي ينتاب اي واحد يتابع العرض، أنه في زمن أصبح فيه كل من تعلم الخياطة أو الرسم، وكل نجم أو مغني راب له اسم كبير، يدعي انه مصمم مغوار، ويفهم معنى تقديم الجديد، نجد قلة فقط تستحق هذا اللقب، ولها القدرة على إبداع أزياء تؤثر على نفسياتنا وحياتنا وتغير من ذوقنا، سواء باللعب على الأشكال والأحجام أو الأقمشة. وهذا ما يبرهنه لنا كل موسم جون غاليانو، كما برهنه من قبله الراحل ديور، مبتكر الجاكيت الضيق عند الخصر ليتسع من تحته (دي نيو لوك)، لاسيما بعد ان توصل إلى المعادلة الصعبة: إشباع جنونه الإبداعي في عروض الهوت كوتير، وإرضاء السوق والمشرفين على الدار في عروض الملابس الجاهزة، من دون ان يتنازل كثيرا عن فنيته، فقط يخفف من جموحها. فحتى هنا كانت القبعات المصنوعة من القش والجلد تكاد تغطي مجموع الوجه فاتحا المجال للاكسسوارات، وبالذات حقائب اليد، للفت الانتباه، بهدف إرضاء الجانب التسويقي. هذه المرة أطل علينا بحقيبة جديدة اطلق عليها اسم «ساموراي».

قبل عرض غاليانو، كانت ابنة بلده، التي لا تقل فنية وجرأة عنه، فيفيان ويستوود قد قدمت كعادتها تشكيلة مثقلة بالإيحاءات التاريخية والسياسية، أعادتنا فيها إلى العصر الحجري من خلال قبعات وكنزات صوفية، تبدو وكأنها لا زالت خامة قديمة، فضلا عن قلادات مصنوعة من العظام. خلف الكواليس شرحت ويستوود فكرتها بأنها مستوحاة من فتاة من العصر الحجري: «إنها رسالة سياسية. فهذه الفتاة فتحت عينيها على الحياة للتو، ولا تعرف أي شيء بعد.. لا تعرف أن الإنسان له حق الاختيار، وأنه يستطيع ان يكون إما حضاريا أو وحشا فتاكا. لقد أصبحنا وحوشا قاتلة. الرسالة تتلخص في انه لا يمكن ان يحصل تطور من دون ثقافة».

تجدر الإشارة إلى انها ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها ويستوود الموضة لتوصيل رسالة سياسية، بل اصبح الأمر جزءا من عروضها، مثلما كان أسلوب «البانكس» بالنسبة لها سابقا. ففي كل موسم تفاجئ الحضور بفكرة أو اسلوب جديد، ورغم سنواتها الـ 65 فإنها لا زالت تتميز بشقاوة المراهقين. ولا شك ان هذه الروح البريطانية، التي تجمع بين التمرد والشقاوة، هي ما يجعلها وجون غاليانو، وإلى حد كبير الفرنسي جون بول غوتييه، من العروض الشيقة في باريس. على ذكر جون بول غوتييه، فقد قدم عرضه في نفس اليوم، لكن في وقت متأخر من المساء، بدأت تشعر فيه غالبية متابعات الموضة بالتعب. لكن ما أن بدأ العرض حتى ساد شعور بالصحو. كيف لا والعارضات كن في كامل لياقتهن، وهن ويتمايلن برقصات قديمة، وإن بدت في بعض اللحظات بهلوانية، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار كمية الريش الذي زين رؤوسهن، لكنها، على الاقل نجحت في خلق جو من المرح يحتاجه المرء بعد ساعات طويلة من الوقوف والانتظار والتنقل من مكان إلى آخر حرصا على متابعة أكبر قدر من العروض. ليس هذا فقط، بل، تحت كمية الريش السخية والتفاصيل الكثيرة، التي تستهدف تجميل العرض وإضفاء عنصر الصدمة، لا اقل ولا أكثر، كانت الأزياء جد عملية ويمكن تطويعها في حياتنا اليومية بسهولة، خصوصا المعاطف التي تزينها شرائط من الخلف.

إذا كان غاليانو قد تخلى عن استعمال الإخراج المسرحي للفت الأنظار فاسحا المجال للأزياء بان تكون هي البطلة، فإن باريس وجدت بديلا في الثنائي الهولندي، فيكتور ورولف، اللذان قدما عرضا مسرحيا بكل المقاييس. فقد ارسلا العارضات في أشكال غريبة وكأن كل واحدة منهن تمثل عرضا لوحدها، تحمل معها الإضاءة معلقة في مكان ما من الزي، وكذلك الموسيقى، بحيث كان من الصعب في الكثير من الأحيان التمتع بالأزياء أو رؤية جمالياتها.