«الخيامية» حرفة تتحدى تكنولوجيا النسيج وتصارع من أجل البقاء

فن الصبر الجميل

TT

من اهم الفنون التي تشتهر بها مصر دون غيرها من الدول العربية هي التطريز على أقمشة القطن السميكة باستخدام مجموعة من الالوان الزاهية والخيوط البارزة على الجداريات ومعلقات الحائط والحقائب وتعرف باسم «الخيامية». وكلمة «الخيامية» تعني صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في عمل السرادقات، الا ان احدا لا يستطيع الجزم على وجه التحديد بتاريخ هذا الفن الرائع الذي يجذب اليه الكثيرين من عشاق فنون التراث المصري القديم، فالبعض يرى أنه فن فرعوني توارثته الأجيال، ومنهم من يذكر أن صناعة الخيامية بدأت في مصر مع الفتح الاسلامي لها، حيث كان العرب يقيمون في خيام تتميز بحسن مظهرها الخارجي، وقد اخذ المصريون هذا الفن واضافوا اليه بعضا من ملامح فنونهم الخاصة من خلال الرسومات والأشكال والألوان التي أدخلوها على هذا الفن، فيما يرى آخرون أن هذا الفن بدأ في عصر المماليك حيث أهتم الفنان المصري بصناعة خيام الأمراء وأبدع في زخرفتها ومن هنا اشتق اسم الخيامية.

وبغض النظر عن تاريخ بدء هذا الفن في مصر، فإن تلك المهنة تعد من أدق المهن التي تبرز موهبة صانعها وتتطلب أن تتوافر فيه مجموعة من الصفات اهمها الصبر على العمل اليدوي حتى يخرج بلا اخطاء. فإن لم يكن موهوباً فإنه يفشل في احتراف هذه المهنة التي تعتمد خطواتها على الموهبة بجانب الاتقان. وقديماً كان يتم اعتماد الخيام في طائفة الخياميين عن طريق اجتماع الطائفة برئاسة شيخهم لرؤية الأعمال التي قام بها الخيام فإذا كانت على المستوى المطلوب يتم اعتماده ويقام احتفال بمناسبة انضمامه للمهنة، أما حالياً فدخول المهن يتم بصورة تلقائية بعد تعلمها.

وتبدأ خطوات فن الخيامية بوضع التصميم الذي سيتم التعامل معه ونقل هذا التصميم على ورقة باترون تتم خياطته في القماش الذي سيتم تطريزه. ثم يتم وضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش حتى تتم عليها عملية التطريز ويقوم الصانع الذي يعرف باسم «الخيامي» بعمل أكثر من وحدة من ذات التصميم ويقوم بعدها بخياطتها مع بعضها البعض بطريقة اللفقة من دون أن يظهر أي شيء من هذه الخياطات على السطح الخارجي للقماش. وتعتبر مهنة الخيامية من المهن التي تعرضت لصراع من أجل البقاء والاحتفاظ بهويتها كفن يدوي في مواجهة التطور السريع في تكنولوجيا صناعة النسيج والتي أدت الى تراجع الخيامية اليدوية مع انتشار الخيامية المطبوعة، مما دعا الخياميين الى بناء خان الخيامية في قلب منطقة الازهر ويضم أكثر من 60 محلاً متجاوراً تعمل جميعها في صناعة الخيامية. أما السوق فأصبح لعرض المنتجات على السائحين الذين ينجذبون للشنط المشغولة والمجالس العربية والحرفية والخدديات والخيم اليدوية ذات النقوش المتميزة مما يساعد على رواج المنتجات التي تشهد إقبالا كبيرا عليها رغم ارتفاع أسعارها، كما تشهد الحرفة عمليات تصدير للدول العربية وخاصة خيم الحج والبدو. ويوضح الحاج محمد الذي يعمل في هذه الحرفة منذ حوالي 40 عاما أن الخيامية فن راق وبالغ الصعوبة، فالقطعة الصغيرة يتم العمل بها لمدة 4 أيام متواصلة ويبلغ ثمنها 100 جنيه مصري، أما مفارش السرير فيصل سعرها إلى 600 جنيه. وبالإضافة الى فن الخيامية المعقد، توجد صناعة أقمشة الفراشة التي تستخدم في صوانات المآتم وتصنع من أقمشة القطن وخيوط البوليستر وتستخدم ماكينة لطبع التصميم على القماش وبنفس النقشة المتجاورة ثم يتم خياطتها معاً ويطلق على القطعة الواحدة من الصوان «لمة» ويستفيد منها تجار الفراشة وسعرها منخفض وغير مكلف وتستخدم في الاحتفالات والأفراح.