«الخويا» مهنة توارثها الأبناء عن الأجداد منذ مئات السنين

لفتوا الأنظار في قمة الرياض بملابسهم البيضاء وأسلحتهم المختلفة

TT

سلط مؤتمر القمة العربي الذي بدأ اعماله أمس في العاصمة السعودية الرياض الضوء على مهنة أو وظيفة تميزت بها السعودية عن سائر الدول وهي مهنة (الخويا)، إذ شاهد المتابعون لمراسم استقبال القادة المشاركين في قمة الرياض تشكيلة من الرجال يقفون في أرض المطار وقد اعتمروا ملابس بيضاء وتقلدوا احزمة جلدية سوداء تحمل اسلحة بيضاء وخفيفة من نوع الفرد، كما حملوا في ايديهم سيوفاً ذات الوان زاهية، وتهافت مصورو الصحف ووكالات الانباء على التقاط صور لهؤلاء الرجال بعد ان استوقفهم منظرهم وهم يقفون في ارض المطار ضمن بروتوكولات استقبال القادة.

وهذه المهنة قديمة وليست وليدة اليوم حيث يقول التاريخ ان السعودية منذ مئات السنين عرفت هذا النظام البروتوكولي لدى الائمة والامراء من آل سعود حتى اصبح وجودهم لدى الملوك وامراء المناطق والمحافظات سمة من سمات قطاعات الدولة.

وقد اشار الرحالة الذين زاروا الرياض في فترات مختلفة الى وجود (الاخوياء) أو الخويا كما هو متعارف عليه داخل قصور الائمة والامراء من آل سعود، ولعل ابرز هؤلاء الرحالة لويس بلي ووليم بلجريف، كما اورد فؤاد حمزة ذكراً للخويا في كتابه البلاد العربية السعودية عند حديثه عن البلاط الملكي في عهد الملك عبد العزيز، حيث ذكر أن هناك في البلاط 16 شعبة مختلفة لكل واحدة منها عمل خاص وعرج في الحديث عن الشعبة الثالثة عشرة وهي «رئاسة الحاشية» وتفرعاتها ومن ضمنها رئيس الخويا أبوفهد.

ولعل أول ذكر للخويا ورد في الحديث عن الهجانة التي تعتبر مزيجاً من التنظيم العسكري والتقاليد البدوية، حيث تقوم وحدات الهجانة التي انشئت سنة 1925 بمهام عسكرية حيث شاركت في اخماد فتن في الجزيرة العربية وقد بلغ عدد افرادها عام 1932 اثني عشر الفا وخمسمائة فرد ومائتين وخمسين ضابطاً، وهذا الرقم يمثل اكثر من ثلث القوات العسكرية العاملة في تلك الفترة، وبدأت نواة تشكيل هذه القوات كقطاع عسكري وتطورت بعد أن تم تشكيل القوات النظامية والشرطة في مدن الحجاز الرئيسية وبقيت قوات الهجانة بدون قيادة موحدة الى ان صدر مرسوم توحيد القطاعات العسكرية عام 1930 الى أن اعيد تشكيلها من 8 وحدات وعين محمد بن ابراهيم بن سلطان قائداً عاماً لها عام 1932، وذكر الدكتور ابراهيم العتيبي في دراسته التاريخية عن تنظيمات الدولة في عهد الملك عبد العزيز بانه بعد أن توسعت تشكيلات القوات النظامية والشرطة وخفر السواحل وباشرت هذه الاجهزة مهامها التي كانت الهجانة تقوم بجزء منها قرر مجلس الوكلاء الغاء تشكيلات الهجانة اعتباراً من عام 1935 وزعت وحداتها على القطاعات العسكرية، والحق 600 هجان في الشرطة و400 ضموا الى الجيش، وأضيف 470 خوياً الى الامـراء فـي الملحقـات، أمــا الباقون فاعيد تشكيلهم تحت مسمى الوية الجهاد وبذلك انتهت تشكيلات الهجانة، كما كان في الديوان الملكي مكتب يدعى مكتب اهل الجهاد يقوم بعمليات استدعاء المقاتلين ويحدد امــاكن وجـودهم ونوع السلاح المسلم لهم، ولما تشكلت الوية المجاهدين عام 1943 من بعض وحدات الهجانة التي الغيت أوكل الى مكتب الجهاد الاشراف عليها واصبح اسمه «مكتب أهل الجهاد والمجاهدين» وبقي هذا المكتب على ارتباط بالديوان الملكي الذي تولى الاشراف على شؤون المجاهدين وتوزيعهم وصرف مرتباتهم وتنظيم وحداتهم وترتيب وظائفهم وسجلات اسلحتهم، وتحولت فرق المجاهدين الى قوة احتياطية تقوم باعمال ثانوية مثل حراسة المنشأة خارج المدن وغيرها، ونظراً لقيام تشكيلات الجيش والامن العام بمباشرة معظم الاعمال القتالية والامنية التي كانت تقوم فرق المجاهدين بها فقد اسند الى البعض منهم مهام الدوريات على الحدود والاشتراك في تنظيم اعمال الحج، والعمل في مراكز الامـارات الفرعية. وبقيت الوية المجاهدين الى أن تشكل في عام 1954 الحرس الوطني الذي كانت نواته من الوية المجاهدين وبقي جزء منهم يتبع مكتب اهل الجهاد الذي استمر على ارتباطه بالديوان الملكي الى أن الحق بوزارة الداخلية عام 1963 تحت مسمى (إدارة المجاهدين العامة) وتقوم هذه الادارة بالاشراف على ما بقي مـن المجـاهدين في الامـارات والدوريـات البرية.

ويوضح راشد بن محمد بن جعيثن المهتم بتراث الجزيرة العربية ومحرر صفحات الادب الشعبي في مجلة اليمامة السعودية في حديث لـ«الشرق الأوسط» بان مهنة الخويا التي كادت أن تنقرض تمثل تشكيلة من رجال يتمتعون بثقة الحاكم الاداري ولهم زي خاص ويؤدون عملاً معيناً، مشيراً الى ان من شروط اختيارهم: الصلابة والولاء والحنكة. أما بالنسبة للاسم الذي يحملوه فهو مشتق من الاخوة أي الاخ المأمون الذي يتمتع بحفظ كلمة السر، والخوي له قيمة اجتماعية في السابق حيث كان يقوم بالدور العسكري الفاعل في المجتمع فهو حلقة وصل بين الحاكم والمحكوم، وله الصلاحية المطلقة في التعامل مع المتمرد ولكن بوجود الجهاز العسكري الاداري تحت امرة الحاكم الغى الكثير من الادوار المهمة للخوي.

ويضيف ابن جعيثن بان الحكام العرب عرفوا اشكالاً لهذه المهنة حيث يمثل البعض منهم الحارس الشخصي الموثوق به، ولعل من مهام الخوي السابقة التدخل المباشر في قضايا الخلاف التي تنشب بين الناس حيث يقوم الحاكم بارساله فيما يمكن وصفه بانه وزير للخارجية بل هو وزير مفوض، ولكن تبقى صفة الوفاء والولاء هي الابرز في اختيار مهنة الخوي.

ويتميز الخويا بزيهم الخاص أو ما يسمى بالمثلث وهو الثوب الابيض والغترة البيضاء حاملاً المجند والسيف والفرد، والمجند من أدوات حفظ السلاح ويسمى المقلد وهو حزام يتقلده الانسان ويجعله على الكتف اليمنى نهايته السفلية بالجانب الايسر، وهي التي يدخل فيها الفرد (سلاح المسدس)، وتوجد بالمجند عدة جيوب دائرية مفتوحة من اسفلها واعلاها بحيث يدخل في كل جيب رصاصة واحدة، وتزين المقالد عادة بفرشات معدنية مثقوبة في منتصفها وذات الوان متعددة.

ويخضع الخويا لسلم رواتب لدى وزارة الخدمة المدنية حيث يصل راتب رئيس الخويا الى اكثر من 14 ألف ريال مع بدل نقل 600 ريال ومساعده 9420 ريالاً ليتسلسل السلم الى وكيل مساعد رئيس الخويا ثم خوي فئة 2 رئيس خبرة وخوي فئة 2 عادي الى خوي فئة 5 ابتداء من راتب قدره 7540 ريالاً وبدل نقل 600 ريال الى 1450 ريالاً وبدل نقل 400 ريال.

ويشاهد الخويا في الديوان الملكي وإمارات المناطق حيث توارث هذه المهنة الابناء عن الاباء والاجداد واصبحت سمة من سمات البروتوكولات في هذه القطاعات.