وشاح نانسي بين البروتوكول والأناقة

ملابس السياسيين والتكيف الثقافي

TT

خلال الأسبوع الماضي قامت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بجولة في الشرق رافقها فيها عدد من أعضاء الكونغرس ومجموعة سخية من الوشاحات. وقد منحتها الوشاحات مسحة اضافية من تواضع الملبس عندما كان الأمر يتطلب ذلك، كما أنها كانت قادرة على استخدامها لتغطية رأسها عندما يستدعي البروتوكول ذلك، مثلما فعلت عندما زارت ضريح يوحنا المعمدان داخل الجامع الأموي في دمشق وكانت تضع وشاحا على رأسها على طريقة بطلة من بطلات هيتشكوك. وقد زارت نساء غربيات أخريات الشرق الأوسط وتعين عليهم تغطية رؤوسهن، ولكنهن غالبا ما كن يظهرن وكأن المتطلب جاء مفاجئا، وعلى نحو طارئ وعجول توجهن الى اقرب مربع قماش متيسر. ولكي تكون المرأة موضع احترام يستدعي الأمر منها قدرا معينا من الانتباه حتى لا تبدو مثل من ترتدي غطاء منضدة.

والمسألة ليست ارتداء قطعة بهيجة من الحرير لتغطية الرأس، ذلك ان اللمعان يمكن أن يؤدي الى نتيجة سلبية. المسألة هي تجنب أن تبدو المرأة غير مستعدة وغير رشيقة. وقد تكون إثارة الانتباه المحدود بقماش الكتان الذي يوضع على المناضد في اطار رسالة القواعد الثقافية وليس روح هذه القواعد. والى حد ما فانه تذكير بالوقت الذي يصل فيه المرء الى حدث يتطلب ارتداء ملابس عمل وهو يرتدي معها حذاء لا يناسبها. وهو ما يعني ان على المرء أن يكون على معرفة أفضل بما يرتدي.

واشتملت تشكيلة بيلوسي من الوشاحات على موديل أحمر مطبوع ارتدته حول عنقها عندما كانت في القدس. وفي سورية والمملكة العربية السعودية ارتدت وشاحا يغلب عليه اللون الأصفر. وعندما كانت في بيروت كانت ترتدي وشاحا ازرق مربوطا بحزام حقيبتها اليدوية المتدلية من الكتف.

وفي كل مثال كان الوشاح جزءا من خزانة الملابس للنهار. ويتردد المرء في القول انها تكمل طاقمها بإكسسوار الوشاحات لأن ذلك يجعل الأمر يبدو وكأن أهميتها يمكن أن تكون متوازنة مع زوج من الأقراط أو عقد من اللؤلؤ. لقد كانت اكثر ايحاء ومعنى من ذلك. فقد كانت تسمح لها ان تكون موضح احترام من جانب المضيفين، بينما كانت تحافظ على هويتها أمام الآخرين. وكانت تبدو في اطار شخصيتها الطبيعية بينما احتفظت بالقدرة على التحكم بالرسالة البصرية.

ومن خلال ارتداء الملابس التقليدية المطلوبة لزيارات مواقع معينة، تبدو الوجوه السياسية العامة أصغر وأكثر هشاشة مما ترغب في عكسها عن نفسها. ويبدو كأن ارتداء ملابس غير معهودة أو غير مناسبة في ندوة عامة له تأثير على التخفيف من حدة أكثر الشخصيات غرورا. ولغة الجسد تعكس انزعاجها. وأعيننا تنقل هذا التضارب.

وإحدى هذه الصور نقلت في نوفمبر الماضي حينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء كندا ستيفن هاربر ورئيسة تشيلي ميشيل باشليت في اجتماع في قمة التعاون الاقتصادي الآسيوي ـ الهادي بهانوي. وخلال المؤتمر صور هؤلاء الرؤساء وهم يرتدون الملابس التقليدية الفيتنامية، وبدوا كأنهم يريدون أن يكونوا في مكان آخر، أو أنهم كانوا يتمنون خلال وجودهم في المؤتمر أن يكونا مرتدين ملابس أخرى.

يمكن لارتداء الملابس أن ينقل صورة للسلطة، لكنه في الأساس الأول تعبير عن السيطرة. فالملابس المدرسية تسعى إلى تحديد ساحة اللعب بحيث لا تتمكن أي مجموعة من أن تهيمن على التلاميذ الآخرين. وفي حالات كهذه يحاول الأشخاص أن يسترجعوا الشعور بالذات، إما من خلال تقصير التنورات أو استخدام الوشم على اجسادهم.

حينما ظهر البحارة البريطانيون قبل اطلاق سراحهم على شاشات التلفزيون كانوا يرتدون بدلات غير أنيقة خالية من ربطات العنق وهي لا تعود إلى بلدهم بل لإيران، وبدوا كأنهم شبيهون بالرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

بالعكس من ذلك كان الوشاح المتقن الذي ارتدته بيلوسي قد أعطاها تعبيرا عن احترامها للأجانب المحيطين بها من دون أن تفقد السيطرة. فهي تجنبت بحذق أن تترك أي أثر في الصور الملتقطة لها بأنها غير مرتاحة بملابسها. وأكدت الوشاحات التي ارتدتها عن تكيف ثقافي وعن حقيقة أنه أحيانا لا يكفي من أنت بل ما ترتديه.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»