الزي الإسلامي في أميركا بين التقاليد والموضة

فتيات يرتدينه لتحديد هويتهن.. وبعيدا عن الضغوط

TT

تواجه عائشة حسين، وهي اميركية من اصل باكستاني، كل يوم مشكلة ارتداء ملابس تناسب شخصيتها. فعائشة البالغة، 24 سنة، وتعمل محررة في مجلة بنيويورك مخلصة لسروال الجينز، ومصممة على إدخال الحداثة في الأزياء التي ترتديها من دون ان تتنازل عن هويتها الإسلامية، أو تفرط في التزامها بما تفرضه تعاليم الدين، لكنها، كما تقول: «ما زلت اعاني وأبحث عن المعادلة الصحيحة، ولكني لا اعتقد باستحالة ذلك».

لحد الآن توصلت عائشة الى حل وسط يتلخص في ارتدائها سترة طويلة تخفي تفاصيل جسدها. إلا ان هناك أخريات يتبعن طرقا أكثر محافظة، مثل لينا العريان، وهي طالبة دراسات عليا في جامعة شيكاغو، انضمت الى مجموعة اسلامية نسائية في الاسبوع الماضي، تتميز أزياؤهن بالزي الطويل المكون من سراويل واسعة وإيشاربات طويلة من الباشمينا. وكانت لينا العريان بدورها ترتدي زيا طويلا على سروال جينز واسع. وكانت تغطي شعرها ورقبتها وكتفها بـ«إيشارب».

ومثل العديد من الفتيات اللائي اتين من خلفيات اجتماعية وثقافية ودول متنوعة، توصلت لينا الى استراتيجية لتحقيق التوازن بين ايمانها وخطوط الموضة، الأمر الذي تجده بعض النساء، تحديا مثيرا ومحبطا في الوقت ذاته، ويسبب لهن الكثير من التوتر، وهو ما تؤكده ديلشاد علي، رئيسة التحرير الاسلامية، لموقع beliefnet.com، وهو موقع ديني بقولها إن هناك خيطا رفيعا يفصل بين الموضة ومحاولة دمجها في الزي الاسلامي التقليدي. ونقطة الجدل هي الحجاب الذي يراه البعض رمزا سياسيا للراديكالية، الامر الذي يؤدي الى ردود فعل تتباين بين حب الاطلاع والعداوة. وتعتبر العديد من الفتيات الحجاب بمثابة تحديد لهويتهن ويرتدينه من دون أي ضغوط من الاسرة او المجتمع، رغم أن قرار ارتدائه يمكن ان يكون صعبا في الولايات المتحدة. فعدد المحلات التي تبيع الزي الاسلامي للمسلمات الاميركيات اللائي يتراوح عددهن بين ثلاثة الى سبع ملايين، محدود للغاية.

تقول عصمت خان، رئيسة تحرير مجلة «مسلم غيرل» ان «البحث عن ملابس تفي بالغرض المطلوب تمثل تحديا كبيرا في بعض الاحيان، عندما تبحث عنها الفتيات في المحلات التقليدية».

وتقول لينا التي ترتدي الحجاب منذ كان عمرها 13 سنة «اكبر مشكلة بالنسبة لي هي العثور على ملابس مناسبة في المحلات الكبرى»، لذلك فهي تبحث عنها عبر الانترنت بالدخول إلى مواقع محلات «زارا» «آيتش آند إم» «بيبي» وغيرها لشراء تنورات طويلة. المشكلة أن العديد من التصميمات تبرز منطقة الأرداف، وهو الأمر الذي يحاولن تجنبه. فيما تحاول البعض منهن ارتجال اسلوب خاص بهن، يتمثل في ارتداء قطع بقلنسوات أو باستعمال قبعات لتغطية شعرهن. وهذا المزج بين ما تقدمه المحلات الكبيرة مثل «غاب» يمنحن شبه جواز تنقل بين هويتهن الدينية والعالم الذي يعيشن فيه. وتواجه مجلة «مسلم غيرل» مشاعر القلق أو التوتر فيما يتعلق بهذه المعادلة، بتشجيع الشابات على مزج تصميمات من عدة مصادر.

تقول عصمت خان، رئيسة تحرير المجلة: «نحاول متابعة ما تريده النساء». وتعتبر صفحات الموضة، التي تظهر الى جانب اعمدة تقدم النصائح الرومانسية وموضوعات حول الحفاظ على البيئة، اكثر الصفحات شعبية بين المراهقات، كما اوضحت، مضيفة انه من المتوقع مضاعفة توزيع المجلة، الذي يصل الى 50 الف نسخة في العام القادم. كما تجد الفتيات الساعيات في متابعة الموضة بعض الافكار في مواقع على الانترنت مثل موقع ARTIZARA.COM وموقع THEHIJABSHOP.COM.

إلا ان بعض النساء يسعين للحصول على ملابسهن من مجموعة من المصممات اللائي يصممن الزي الاسلامي فقط. برووك صمد، مسلمة في الثامنة والعشرين من عمرها، تصمم معاطف على طراز الكيمونو وتنورات طويلة وتعرف شركتها باسم «مارابو»: «اعتقد ان الناس من امثالي بدأوا يرون في المرأة المسلمة قطاعا مهما في السوق، ولهن قدرات كبيرة على العمل والإنتاج. بالنسبة لنا نتبع الموضة ولكننا نحافظ على التقاليد. ونهتم بالاقمشة ونتأكد من انها لا تحدد معالم الجسم بشكل فاضح». مما لا شك فيه ان الموضة اليوم أصبحت اكثر تماشيا مع القيم الأخلاقية، فقد اختفى الاسلوب الذي يكشف اجزاء من الجسم لتحل محله ملابس مكونة من عدة طبقات. وتشير الينا كوفيرزينا، مديرة الابداع في المجلة أن بعض التصميمات التي تعرض على المنصات تعتبر مناسبة لصفحات الازياء في المجلة، مثل قميص منفوخ من أونغارو بياقة عالية وأكمام واسعة، أو معطف من مارني بحزام لا يحدد الخصر أو يشده، أو عمامة من برادا، بالإضافة إلى قميص طويل من دونا كاران مع سروال واسع وقبعة لإخفاء الشعر.

لكن الحجاب لا يزال يثير الانتقادات ومشاعر العداء. فقد كشفت احصائية لمجلس العلاقات الاميركية ـ الاسلامية في العام الماضي ان نصف الاميركيين يعتقدون ان الاسلام يشجع على قمع النساء. واوضحت عائشة، في اشارة لهذا الاستطلاع «العديد من الناس يعتقدون خطأ أنه اذا كانت المرأة محجبة فهي مقهورة».

وبالرغم من معرفتها بهذا الرأي، فإنها تعمدت بعد 11 سبتمبر (أيلول) ارتداء الحجاب موضحة انه، أي الحجاب، من الناحية السياسية «يسمح ذلك للناس بمعرفة انك لا تحول الاختباء منهم».

وتشير بعض الفتيات الى أن الأجواء باتت تفرض عليهن إبراز هويتهن الدينية. فالبعض منهن لا يستطعن تغيير السياسة الخارجية، فيخترن في المقابل الزي الممزوج بين الأسلمة والعصرنة وكأنهن يقلون «انا مسلمة وفخورة».

ولمثل هذا الموقف الشجاع مخاطره. تحكي جنان مهاجر، بمرارة عن تعرضها للترصد من قبل البعض خلال سفرها. وتتذكر جنان التي تعمل مع جماعة Interfaith Youth Core، وهي جماعة تروج للتعاون بين الاديان، أن مسؤول أمن في احد المطارات طلب منها التنحي جانبا بحجة انها ترتدي عدة طبقات من الملابس.

ما الذي كانت ترتديه؟ سروال جينز وقميص طويلة، صندل وإيشارب. عائشة لم تعد ترتدي الحجاب التقليدي، بعد ان تبنت أسلوبا لا يثير حفيظة الغرب، وفي الوقت ذاته لا يتنافى مع تعاليمها الدينية. تقول إن «الحياة في نيويورك جعلتني احاول التجربة، وأن اكون اكثر جرأة. لا اريد تخويف الناس أو إبعادهم.. اريد منهم ان يبدو اعجابهم».وتقول انها لاحظت ميل العديد من بنات جيلها إلى هذا الأسلوب: «أصبحت الطريقة التي نقدم بها انفسنا للعالم، اقل صرامة».

*خدمة «نيويورك تايمز»