«أبو معارض الكتب» يحتفل بيوبيله الذهبي في بيروت بدءا من اليوم

رغم التأجيل والتردد..الناشرون والقراء يشعرون بالفرح والتحدي

TT

يفتتح اليوم في بيروت، وبعد تأجيل دام أربعة أشهر وتردد كبير، «معرض الكتاب العربي والدولي» في دورته الخمسين، وهذا المعرض الذي يعتبر الأول والأقدم في العالم العربي لم يعلق انعقاده في أية سنة مضت، رغم الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان والاجتياح الاسرائيلي الذي شلّ بيروت عام 1982، حيث كان الرواد يجتازون خطوط التماس، ويتحايلون على رصاص القنص وميليشيات الحواجز للوصول إليه في شارع الحمراء. هذه المرة، خشي المنظمون من الاضطرابات بينما كانوا يحضرون لليوبيل الذهبي لمعرض هو الأول عربياً، حيث لم تعرف القاهرة معرضها إلا 11 سنة بعد «أبو المعارض» في بيروت، ومن ثم كرّت السبحة في دول عربية أخرى. ورغم ان الظروف ليست على ما يرام، فإن النية قد عقدت أخيراً على الاحتفال، حيث يجتمع الناشرون اللبنانيون وضيوفهم العرب ومعهم فرنسيون وألمان، في «مركز بيال للمعارض» لاستقبال عشاق الكتب، منذ بعد ظهر اليوم، على مدى عشرة ايام متوالية، تشهد العديد من النشاطات الثقافية أبرزها امسية محمود درويش الذي سيكون نجم الاحتفاليات ومدشنها غداً بأمسية شعرية عند الساعة السادسة مساء، ينتظر أن تكون حاشدة، اذ ليس على جدول برنامج المعرض ما هو أكثر شعبية منها، ويتلو هذه الأمسية حفل تكريم للناشرة اللبنانية الراحلة مي غصوب.

ويستقبل المعرض الذي يقام على مساحة عشرة آلاف متر مربع عشرات المؤلفين في حفلات توقيع، وزع الناشرون دعواتهم لها قبل بدء المعرض، ليتضح ان الإصدارات الجديدة، رغم انها ليست بالزخم السنوي المعتاد إلا انها موجودة وحاضرة، والكتّاب متحمسون للاحتفاء بمؤلفاتهم. فقد جعل التأجيل والتردد الناشرين لا يصدقون ان المعرض سيقام بالفعل، ومنذ أعطيت لهم الإشارة بتأكيد الموعد فإن الدور الكبيرة تعمل كخلايا النحل، وكأنها تسابق الزمن لتلاقي قراءها بجديد يذكر. ولا يخفى على من يطلع على برنامج النشاطات انها حضرت على عجل، ومن حواضر البيت اللبناني، وانها لم تجازف باستقبال ضيوف كثر. ومع ذلك فثمة ضيوف عرب، اذ تحضر ليلى العثمان من الكويت لتوقيع كتاب جديد لها، وكذلك ابراهيم بادي لتوقيع روايته الصادرة منذ عدة أشهر «حب في السعودية» وغيرهما عديدون.

ومعلوم ان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان في يوليو (تموز) الفائت قد قصفت ودمرت في الضاحية الجنوبية حوالي ثلاثين «دار نشر» لبنانية، وقضت على العديد من المستودعات التي كانت تضج بالكتب، وان معرض الكتاب العام الماضي كان قد أصيب بحالة تسمم جراء اغتيال جبران تويني بعد يوم على افتتاحه، كل هذا يجعل مجرد انعقاد هذه الدورة والاحتفال ولو كان متواضعا باليوبيل الذهبي من قبل الجهتين المنظمتين اي «النادي الثقافي العربي» و«اتحاد الناشرين اللبنانيين» هو بحد ذاته تحد كبير، علما بأن العديد من الناشرين، ولو سرا يدعون السماء ان تمر المناسبة على خير، ويتمنون ان تتخذ من قبل الجهات المنظمة اجراءات مشددة لحفظ أمنهم وأمن الرواد الذين يأتون بكثافة كبيرة.

ورغم ان معرض الكتاب الفرنسي «إقرأ بالفرنسية والموسيقى» الذي يقام سنويا كان قد ألغي كليا بسبب الظروف المضطربة الراهنة في لبنان، إلا ان معرضاً آخر للكتاب، كان قد ولد مؤخراً في الضاحية الجنوبية لبيروت على ان يعقد الشهر المقبل. وجدير بالذكر ان المركز الثقافي الذي يقام فيه هذا المعرض كان من أوائل المباني التي اطاح بها ودمرها القصف الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد اعيد إعماره وها هو يستعد لاحتفاليته السنوية بمشاركة يتوقع ان تكون كبيرة جدا.

أما المعرض العربي والدولي في عيده الخمسين، الذي تنطلق نشاطاته الثقافية مساء غد، فتغلب عليه الأمسيات الشعرية والندوات والمحاضرات التي ستكون يومية ومنوعة. فهناك محاضرة حول «مئوية ابن خلدون» وأخرى عن «رؤية جديدة لتعليم اللغة العربية» وثالثة حول «المرأة الفلسطينية والذاكرة» ورابعة عن «عقود النشر في لبنان» وخامسة حول «الدلالات العلمية لنشوء الكون بالانشطار وليس بالانفجار». وثمة لقاء مع الفنان المسرحي المعروف رفيق علي احمد وندوات حول بعض الإصدارات الجديدة، وندوة للذكرى الثانية لرحيل المفكر هشام شرابي، وهناك ندوة ايضا ستناقش مؤتمر القمة العربي الذي عقد مؤخراً في السعودية.

وإذا كان «معرض الكتاب العربي والدولي» يحتفل بيوبيله الذهبي، الذي كان ينتظر له ان يكون ضخما، بالحد الأدنى وضمن الامكانات المتوفرة في ظروف استثنائية، فإن الكثير من اللبنانيين، ناشرين وقراء ومواطنين عاديين، يشعرون بالفرح وبشيء من الانتصار وبكثير من التحدي بمجرد ان المعرض سيبصر النور متغلباً على الخوف والتردد، واضعا الاضطرابات السياسية وراء ظهره، متقدما إلى الأمام ولو بخطى محدودة، وكما يقول احد الناشرين «كنا نشعر بغصة ونحن نحيي كل المعارض العربية، ولا نعرف كيف بمقدورنا ان نضخ الحياة في معرضنا».