في حياة الشباب السعودي.. خير جليس في الزمان «حلاق»

«نشرة اجتماعية يومية» و«قصص عاطفية».. تنطلق من كراسي الحلاقة

TT

الأحداث اليومية التي تدور في «صوالين الحلاقة»، لم تعد تختلف كثيراً عن تلك التي تدور في المتنزهات والاستراحات الشبابية.

صوت «مقصات الشعر» يتقاطع مع صوت أغنية حديثة لأحد المطربين، و«أمواس الحلاقة» أصبحت أداة محببة للشباب تساعدهم على «كشف مستودعهم العاطفي»، أما «كراسي الحلاقين» فلم تعد تقتصر على الجلوس لحلاقة «الشعر والذقن» فحسب، بل تجاوزت ذلك لتمثل منبراً «عصرياًً» لحكايات يومية، ومشاكل اجتماعية، وقصص عاطفية، أبطالها ورواتها هم أنفسهم، وجمهورها «معشر الحلاقين».

«الله يعينك وييسر أمرك».. بتلك العبارة يودع الحلاق زبائنه، في كل يوم، بعد أن يسمع من أفواههم «نشرة اجتماعية يومية» تكشف عن مشاكل عديدة يعاني منها الشباب تأتي علي رأسها البطالة، والحياة الدراسية، و«حلم الزواج»، أمامها لم تعد «نعيماً» ـ العبارة الشهيرة ـ تكفي لإكرام الزبون. يحكي لنا، كريم بالحاج، حلاق مغربي، عن أحاديث يحكيها له زبائنه كل يوم ويقول «أصبح كرسي الحلاقة الذي أقف حوله لأكثر من 15 ساعة يومياً، منبراً أستمع من خلاله إلى عشرات القصص والأخبار التي تدور في المجتمع السعودي، فبعض زبائني يشعرون بالراحة عندما يجلسون للحلاقة، ليبدأوا بالحديث عن مواقفهم اليومية والمشاكل التي يتعرضون لها في العمل أو مع زملائهم».

ويشير كريم، إلى أن هذه الأحاديث تمتد لمجالات الرياضة والعمل والشأن الاجتماعي العام وأحياناً «السياسة»، ويضيف «أصبحت أعرف ميول الشخص من أول جلسة للحلاقة، فبعضهم يتحدث عن الرياضة ولا يحب شيئاً غيرها، فأحاول أن أتفاعل معه وأبدي له آرائي حول الموضوع حتى لا يشعر بالملل خاصة إذا امتدت الحلاقة لأكثر من ساعة».

أما «قصص الحب» التي يعيشها بعض الشباب، فإنها تجد طريقها بكل بساطة إلى أذن عزيز محمد، والذي يعمل في نفس المحل، ويشير إلى أن زبائنه هم من فئة الشباب الذين يستهويهم التميز في العادات اليومية، ويقول: «هم يحبون أن يتحدثوا عن كل شيء يجري في حياتهم، فعلاقتي معهم تزداد مع مرور الزمن، وأسألهم دائماً عن تجاربهم وأخبارهم اليومية، ليحكوا لي عن «قصص غرامية» يعيشونها وعن نهاية جميلة وأخرى محزنة لتلك القصص».

يؤكد عزيز بأنه بات يعرف الكثير من أسرار الشباب وتوجهاتهم الفكرية وميولهم وهو ما منحه ثقة كبيرة من جانب الشباب الذين قد يتطرقون من خلال حديثهم معه عن «حكايات خارج الحدود التي اعتاد عليها المجتمع».

من جانبه رد سعيد الألمعي «العلاقة التي تنشأ مع الحلاقين» إلى أسلوبهم البسيط في التعامل ومواكبتهم لاهتمامات الشباب وحبهم «لمظاهر الموضة الحديثة». ويقول «الأسلوب الجميل الذي يبديه بعض الحلاقين يغري الشباب بالحديث معهم ومبادلتهم قصصهم الحياتية». وحيثما بحثنا عن علاقة تاريخية ربطت «انتزاع الشّعَر، بالحديث عن القصص والعواطف»، فإننا لا نجد إلا أن «الحلاقين» يفاجئوننا بأن مهمتهم قديماً لم تقتصر على الحلاقة فحسب، بل كان الناس في المجتمعات العربية والإسلامية إلى وقت قريب يعرفون بأن «الحلاق» يقوم بالعمليتين معاً الحلاقة والحجامة، بل كان يقوم أيضاً بمهام عديدة من عمليات ختان وخلع للأسنان، وتطهير لمواضع الجروح، وتلك التي أصبحت في العصر الحالي تملك خصوصيتها ومحترفيها بعيداً عن تلك «الصوالين»، ولعل ذلك التميز الذي ناله الحلاق قديماً، هو ما جعل الكثيرين يلجأون إليه في العصر الحالي «كمستودع للهموم والعواطف».