عشاء «دولة» لضيوف ذوي عراقة وأصول .. ومضيف يتصف بانتهاك البروتوكول

جهل بوش بأصول اللياقة يثير قلق الأميركيين قبيل استقباله ملكة بريطانيا

TT

تستقبل العاصمة الأميركية بشكل دائم ضيوفا من مختلف أنحاء العالم، قد لا يلتفت أحد لوجودهم أحيانا، ومن بينهم زعماء ورؤساء دول وشخصيات كبيرة في بلدانهم، ولكن المجتمع الأميركي يلتفت للمميزين منهم فقط. وإن التقى ساكن البيت الأبيض بعض الزائرين، فإن اللقاء في الغالب لا يتعدى دقائق معدودة للمجاملة، وإن زاد عن ذلك فربما يتحول إلى لقاء على غداء عمل لمناقشة قضايا تهم الجانب الأميركي بالدرجة الأولى، ثم الضيف الزائر في الدرجة الثانية. ومن النادر أن يكرم البيت الأبيض أي زائر بدعوة على مستوى «زيارة دولة» المصحوبة عادة بوليمة عشاء، إلا إذا كان الضيف على مستوى عال من القرب من قلوب الأميركيين مثل ملكة بريطانيا العظمى إليزابيث الثانية التي تزور الولايات المتحدة حاليا، بعد حوالى 16 عاما من آخر زيارة لها.

وبما أن مستوى الزيارة حسب التصنيف البروتوكولي الأميركي هو «زيارة دولة» وليس مجرد زيارة عمل، فإن متطلبات هذا المستوى تحتم على كبار موظفي الخدمات في البيت الأبيض رفع حالة التأهب إلى أعلى درجة لاستقبال الضيف الكبير على مأدبة عشاء لا تقام إلا لكبار الزوار، ولا يحظى بها الزائرون العابرون.

وعلاوة على تصنيف الزيارة، فإن الزائرة نفسها ليست شخصا عاديا، ولا عابرا، بل ملكة لها مكانة كبيرة، ولهذا تقرر أن تقام لها وليمة عشاء كبرى مساء اليوم الاثنين في البيت الأبيض يستقبلها خلال الوليمة الرئيس الأميركي جورج بوش مرتديا ربطة عنق بيضاء في دلالة رمزية على أهمية المناسبة، كما ستكون إلى جانبه عقيلته لورا بفستان اختير بعناية، وعدد من نجوم ونجمات المجتمع في العاصمة الأميركية، وسوف يلبسون بلا شك حللا تليق بالمناسبة، وتليق بربطة العنق البيضاء التي لا يرتديها الضيوف، إلا في حضور الملوك أو الزوار ذوي المراتب العالية جدا.

ويدرك القائمون على وضع الترتيبات لوليمة العشاء، أن الملكة إليزابيث تنتمي إلى اسرة مالكة «جذورها ضاربة في العراقة»، ولذلك فإن مسؤولي البروتوكول في البيت الأبيض والخارجية الأميركية تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة في إجادة التعامل مع الملكة والأمير والوفد المرافق لهما، وسيحاولون قدر إمكانهم تجنب الوقوع في أخطاء بروتوكولية أثناء العشاء الذي من المقرر أن يحضره ضيوف ذوو مستويات رفيعة جدا في المجتمع الأميركي والبريطاني على حد سواء.

ولم تتردد صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في إبداء قلقها من التصرفات المحتملة «غير اللائقة»، التي قد يبديها الرئيس الأميركي جورج بوش أثناء استضافته ملكة بريطانيا العظمى إليزابيث الثانية، والأمير فيليب دوق أدنبره، بسبب خلفية بوش القادم من تكساس والمعروف عنه عدم إلمامه بأصول الإتيكيت، وانتهاكه العفوي لقواعد البروتوكول.

وقالت الصحيفة في تقرير يعكس رأي الكثير من الأميركيين، إن الرئيس بوش لا يعرف حتى كيف يستخدم مناديل الطعام أمام الضيوف الكبار، وكثيرا ما يضع قدمه على طاولة القهوة في وجود الضيوف، وليس هذا فحسب بل إنه يتحدث أحيانا أمام الكاميرا وفمه مليء بالطعام، كما أنه يشرب الماء من القارورة مباشرة، ولا يسكبه في كأس مخصص لشرب الماء، وفقا لما يتطلبه الإتيكيت. وقد اضطر وزير خارجية بوش السابق كولن باول أن يصب الماء لبوش في الكأس أثناء وجودهما معا في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في إشارة غير مباشرة لبوش إلى عدم لياقة شرب الماء من زجاجة المياه مباشرة.

وقالت «نيويورك تايمز» إن على خبراء الإتيكيت في البيت الأبيض أن يرشدوا بوش إلى التصرفات اللائقة ويجنبوه السلوك غير اللائق أمام ضيف في حجم ملكة بريطانيا، كما توقعت الصحيفة أن تتدخل السيدة الأولى لورا بوش لوضع لمساتها على العشاء، لأنها أكثر دراية من زوجها بالأصول، وما يجوز وما لا يجوز في مناسبات كهذه. ومن الأمور التي يفترض أن يكون قد تم تحذير الرئيس بوش منها، مخاطبة الملكة بلقب اسم «إليزابيث الثانية»، فمن الأفضل أن يناديها بـ«صاحبة الجلالة»، وينادي الأمير فيليب بلقب «صاحب السمو الملكي». كما أنه وفقا لتعليمات دليل البروتوكول في الخارجية الأميركية، فإن على جميع الرجال ألا يمدوا أيديهم لمصافحة الملكة، إلا إذا بادرت هي بالمصافحة، وليس هذا فحسب بل إن الملكة بعد أن تنتهي من تناول أطباق العشاء المقدمة لها، فإن على الجميع أن يتوقف عن الأكل، و«لن يمثل هذا الأمر مشكلة بالنسبة للرئيس بوش، لأنه يتناول طعامه بسرعة مذهلة». ويتضمن دليل التعامل مع الملكة عدم تقديم وجبات مطبوخة ببهارات زائدة، لأن الملكة لا تحب البهارات.

وفيما يستمر الجناح الغربي في البيت الأبيض في الاهتمام بحرب العراق، وفضائح الداخل، فإن الجناح الشرقي لا هم له حاليا سوى الإعداد لعشاء الملكة، وترتيب الأطباق والصحون المذهبة التي تم شراؤها في عهد الرئيس بيل كلينتون لمناسبات كهذه.

وكانت ملكة بريطانيا قد زارت البيت الأبيض أربع مرات، آخرها في عهد الرئيس جورج بوش الأب عام 1991، وقبل ذلك زارت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جيرالد فورد عام 1976، أما أول زيارة لها فكانت عام 1957 في عهد الرئيس ديوايت أيدزنهاور.

وصف أحد موظفي البيت الأبيض زيارة الملكة إليزابيت ووليمة العشاء التي ستقام لها بأنها أهم مناسبة اجتماعية خلال العام الحالي، بل أهم مناسبة اجتماعية في عهد الرئيس بوش طوال فترتي رئاسته.

وحذرت صحيفة «نيويورك تايمز» من أن مأدبة العشاء على شرف ملكة بريطانيا، ستضع بوش تحت الرقابة من قبل نخبة الحاضرين من كبار الشخصيات في المجتمع الأميركي نساء ورجالا، لأن مثل هذه المناسبات تكشف أحيانا عن صدام بين الثقافات من نوع خاص، صدام بين ثقافة ملكة في غاية الانضباط والأناقة، ورجل قادم من تكساس يتصف بالخيلاء والهمجية.

وقال المسؤولون في البيت الأبيض، إن المضيفين والمدعوين إلى مأدبة العشاء من الرجال سيرتدون ربطات العنق البيضاء، وهو ما يعني أن الجزء الأعلى من بدلاتهم ستكون عبارات عن جاكتات طويلة ومذيلة من الخلف باللون الأبيض ايضا. وربما يكون هذا أول عشاء في عهد الرئيس بوش إن لم يكن آخر عشاء يشترط فيه على المدعوين البالغ عددهم 134 مدعوا ارتداء ربطة عنق بيضاء.

وقالت مسؤولة المناسبات الاجتماعية في البيت الأبيض إيمي زانتزينغر، إن الرئيس بوش يتطلع بشوق إلى استقبال ملكة بريطانيا في حفل عشاء على مستوى كبير من الإعداد والتنظيم.

وحتى الدعوات الموجهة للضيوف كانت محفورة بحروف مذهبة ومزينة بخطوط يدوية جميلة، وتم تنسيق قائمة المدعوين مع مسؤولي السفارة البريطانية، ولم يكن من بين المدعوين جورج بوش الأب، لكن إحدى مساعدات السيدة الأولى لورا بوش، قالت إن بوش الأب لو أراد حضور العشاء لتم توجيه الدعوة إليه.

وأوضحت سالي ماكدونوف المسؤولة الصحافية في مكتب السيدة الأولى، أن السفارة البريطانية ستقيم وليمة عشاء غدا الثلاثاء، سيحضرها الرئيس الأسبق بوش الأب وزجته باربرا، ولهذا تم تنسيق الدعوات مع السفارة البريطانية، بحيث لا تكرر بعض الأسماء في حضور الوليمتين.

ولمحت المسؤولة الصحافية إلى أن التنسيق وصل إلى درجة الحذر من تكرار ارتداء المدعوات فساتين متشابهة، كما حدث للسيدة الأولى لورا بوش في إحدى المناسبات التي ارتدت خلالها فستانا من نوع ولون مطابق لفساتين ارتدتها ثلاث من المدعوات. وبحكم أن لورا بوش كانت في منزلها، فقد تمكنت من الصعود إلى الطابق الأعلى، وتغيير الفستان في حين لم تتمكن المدعوات الثلاث من تغيير فساتينهن، ونشرت الصحافة الأميركية صورهن وصورة لورا بوش بفستان أحمر في اليوم التالي، متهكمة على ما حصل. وسوف تحضر العشاء نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي، ولا يعرف إذا ما قد تم تحذيرها من عدم ارتداء فستان شبيه بفستان السيدة الأولى أو الملكة الزائرة أم لا، ولكنها معروفة بأناقتها البسيطة، وستكون قادرة على مواكبة متطلبات هذه المناسبة المهمة.

تجدر الإشارة إلى وجود مدرسة خاصة في واشنطن تعلم الراغبين في معرفة أصول البرتوكول، خصوصا السياسيين ورجال الأعمال، وقد تخرج منها حتى الآن 1900 طالب من كافة انحاء العالم منذ تأسيسها قبل 18 عاما. وتقدر تكلفة دورة من خمسة ايام في هذه المدرسة بـ5800 دولار، عدا عن الضرائب يتم خلالها تعلم قواعد البرتوكول الدولية او اتقان حسن الجلوس الى مائدة الطعام على الطريقة الأميركية أو الأوروبية. وبحسب اصول اللياقة الاوروبية، يجب ان تبقى شوكة الطعام دائما في اليد اليسرى، في حين يمكن نقلها الى اليد اليمنى بعد قطع شريحة اللحم على الطريقة الأميركية. وتقول نيكول كراكورا مديرة شؤون البروتوكول في مدرسة سميثونيان للبروتوكول، إن المدرسة مستمرة في تقديم خدماتها للراغبين من رجال السياسة الأميركيين والأجانب على حد سواء، وكذلك رجال المال والأعمال.