مسجد السلحدار.. لؤلؤة الآثار الإسلامية

بعد أن وضعته أنغام في بؤرة الاهتمام

TT

ربما لم يحظ مسجد سليمان أغا السلحدار بهذا القدر من الاهتمام كما هو الحال في هذه الايام بعد أن وضعته المطربة المصرية أنغام في بؤرة اهتمام كافة وسائل الاعلام المرئية والمقروءة، بدرجة فاقت ما فعله رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف عندما أعاد افتتاحه في نهاية العام 2004 بعد الانتهاء من أعمال الترميم في اطار مشروع وزارة الثقافة لتطوير القاهرة الاسلامية. ففجأة، وبدون مقدمات، أخذ المصريون في جلساتهم العادية، يتبادلون الحديث عن ذلك المسجد بعد أن تناهى الى سمعهم ما أقدمت عليه أنغام من تصوير أغنية فيديو كليب داخل صحنه. عاصفة من الغضب كانت الصفة المشتركة في تلك الأحاديث، لم يهدئ منها سوى نفي المطربة أنغام للأمر بشدة، وتأكيدها أن التصوير تم في غرفة مهجورة تقع في منطقة مجاورة للمسجد، موضحة أن الحجرة لا علاقة لها بالمسجد ولا يراها المصلون حيث كانت تستخدم كسبيل لشرب الماء. هدأت ثورة المصريين ولم يهدأ فضولهم حول استبيان الحقيقة خاصة أن أحدا منهم لا يعرف الكثير عن ذلك المسجد ومحتوياته، بمعنى آخر زادت تساؤلاتهم حول تلك الحجرة أو «السبيل» بالمسجد.

شيد مسجد السلحدار على طريقة المساجد العثمانية، وهو أحد أروع وأندر المساجد الاثرية بطرازه المعماري الذي جعل منه لؤلؤة المنطقة التي تزخر بالآثار الاسلامية، وهو مقسم الى ثلاثة أروقة وملحق به سبيل ماء وكتاب لتعليم القرآن والدين وعدة حجرات اهمها حجرة السبيل. ويقع المسجد بشارع المعز لدين الله على يسار السائر به في اتجاه باب الفتوح. وبدأ الأمير سليمان أغا السلحدار في عهد محمد علي باشا الكبير في تشييده سنة 1253 هجرية الموافقة للعام 1837 ميلادية، وأتمه في سنة 1255 هجرية الموافق للعام 1839 ميلادية. الوجهة الرئيسية للمباني والمشرفة على شارع المعز لدين الله تشتمل على وجهات المسجد والمدرسة والسبيل، ويتوصل بها عند نهايتها القبلية بوابة مقامة على مدخل حارة برجوان، وجميعها مبنية بالحجر وتنتهي من أعلى بأرفف خشبية بزخارف بارزة، ويكسو وجهة السبيل رخام أبيض مدقوق به زخارف وكتابات ولنوافذه شبابيك من البرونز المصبوب بزخارف مفرغة، والمنارة كسائر المنارات العثمانية أسطوانية الشكل ولها دورة واحدة وتنتهي بمسلة مخروطية. ويؤدي المدخل إلى طرقة يصعد الإنسان منها ببضع درجات إلى الصحن المسقوف في وسطه وتكتنفه أربعة أروقة عقودها محمولة على أعمدة رخامية. ويزخر المسجد بالزخارف الخشبية التي اختلطت فيها العناصر الشرقية الموروثة «الأرابيسك» والعناصر الغربية المعروفة بالأسلوب الباروكي، والتي انتقلت من أوروبا الى اسطنبول خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وانتقلت بدورها من إسطنبول الى بقية البلدان الاسلامية. من أهم مميزات المسجد أيضا وجود قباب خشبية ذات زخارف عثمانية واضحة، اضافة الى وجود ما يعرف باسم «الملقف» والمسؤول عن تهوية القاعات داخل المسجد. يطل الجامع في أحد اركانه على حارة مصرية شهيرة اسمها «برجوان» حملت اسمها رواية كتبها إسماعيل ولي الدين وقدمتها السينما في فيلم من بطولة نبيلة عبيد.

ويؤكد الخبراء أن المهندس المعماري الذي أنشا المجموعة أبدع في تصميمها محاولا تحقيق أقصى استفادة من المساحة. حيث نجح في إقامة منشأة ضخمة على مساحة ضيقة. كما أن أسقف المجموعة تعد من الاسقف النادرة في جمالها وزخارفها. وقد أستخدم المبنى في نهايات القرن التاسع عشر كمدرسة كما استخدم الصهريج الخاص به كمخزن للكتب.

واذا انتقلنا للحديث عن سليمان أغا السلحدار، مؤسس المسجد والمجموعة الأثرية التي تحمل اسمه، فسنجد أن المعلومات المتوافرة حول تلك الشخصية تكاد تكون نادرة بدرجة كبيرة لا تتناسب مع قيمة ما خلفه من مجموعة أثرية رائعة، الا أن المعروف عنه أنه ترقى في المناصب خلال عهد محمد علي باشا الكبير، ليصل إلى منصب السلحدار أي المسؤول عن السلاح. واشتهر السلحدار بكثرة البناء، وقد توفي عام 1261هـ (1845م).