القفطان المغربي .. مطرز بالأساطير ومغزول بالأحلام

قفطان 2007 .. أناقة راقية واقتباسات تراعي موجات الموضة

TT

قصة القفطان المغربي مع الموضة والموجات الثقافية، وعلى رأسها الهيبيز، والتغيرات الاقتصادية وغيرها، قصة تضاهي في تشويقها سحر هذا الزي وخصوصيته وعراقته التي يعيدها البعض إلى عهد زرياب. ولا شك ان إعجاب المصممين العالميين بخصوصيته وتأثيره عليهم عبر السنوات، حمله من البيوت والمناسبات المغربية الحميمية، إلى العالمية على يد كبار، من أمثال بالمان وإيف سان لوران وجون بول غوتييه وغيرهم، الأمر الذي جذب انتباه نساء من جنسيات أخرى، وخول له عروضا تقام على شرفه بانتظام في عدد من المدن المغربية والأوروبية. بل إن بعض العروض أصبحت تقليدا يتم انتظاره بفارغ الصبر من قبل المغاربة والأجانب على حد سواء، ويلقى نجاحا كبيرا بفضل مصممين شباب يضعون لإبداعاتهم عناوين مختلفة تنقل مضمون هذه التصميمات وشكلها، في مرافقة تامة لعالمية اكتسبها زي تقليدي بالأساس، خصوصا أن هؤلاء المصممين والمصممات يتنافسون على تقديم آخر خطوط الموضة والخياطة التقليدية الراقية واضعين في عين الاعتبار أن لا يبقوه محصوراً في بيئته المغربية، بل أن ينطلق بعيداً وفي كل اتجاه. فالذكاء التسويقي يستدعي أن تتجه عيون المصممين، أيضاً، إلى إرضاء الذوق الأوروبي، لذلك لم تعد هناك من شروط مسبقة للإبداع، أو خط موحد يميز الأزياء المعروضة، بل ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لمزج الخيال بالابتكار والاقتباس.

وهكذا، جاء عرض «قفطان 2007» الذي اقيم مؤخرا في مدينة أغادير، جنوب المغرب، بعد ان كان مقر هذه الاحتفالية بمدينة مراكش الحمراء، ليؤكد أن هذا اللباس التقليدي قد يتلاءم مع قطعة أو تصميم مستوحى من أزياء راقصات الباليه، أو الفلامنكو، أو أزياء الفروسية وحتى اللباس الذي يرتديه مصارعو الثيران المعروف بالياقات الطويلة والقماش المزركش، دون إهمال الأزياء المحلية التي ترتديها نساء البوادي في مختلف المناطق المغربية، كالزي الجبلي في الشمال والبربري في الجنوب.

المصممة آسية بن عبد الله، قدمت تشكيلة متميزة مستوحاة من بساطة الزي في منطقة الشمال المغربي، المشهور بقطعة «المنديل» المخطط بالأبيض والأحمر الذي تلفه النساء حول الخصر.

أما المصمم أمين المراني فسافر إلى أدغال أفريقيا، وقدم تشكيلة يطغى عليها اللونان البني والأسود مزينة بقماش جلد الأفاعي.

وحملت تشكيلة المصممة، ذهب بنعبود، اسم «نسمة الحرية»، وظلت وفية من خلالها لإحياء الصناعات القديمة في مجال الخياطة والتطريز، واختارت ألواناً زاهية لمجموعتها، ونفس الأمر بالنسبة لـ«لمياء لخصاصي»، التي تميزت تصاميمها باختيار الأكمام القصيرة للقفطان مع المحافظة على الشكل الكلاسيكي المكون من قطعتين.

واحتفى نبيل دحاني المتأثر بأجواء الموضة الباريسية بالأنوثة الرقيقة وقدم فساتين سهرة من زمن الستينيات بثلاثة ألوان هي الأبيض والأسود والأحمر، بصمها بلمسة شرقية خفيفة.

وحملت مجموعة المصممة ليلى بنلمليح اسم «شمس الليل»، وانسجاماً مع هذا العنوان زينت تصاميمها بالخرز والأحجار اللامعة لإضفاء مزيد من الإشراق على ثوب السهرة.

وجاء عرض «قفطان 2007» هادئاً وبسيطاً ولم يتسم بالطابع الغرائبي، الذي ميز بعض الدورات السابقة من خلال تصاميم تخرج عن المألوف وتحول القفطان إلى مجرد قطعة قماش فاقدة لأي خصوصية أو روح، أو إضافة إكسسورات جامحة، مجاراة للاتجاه «العبثي» الذي يسود الموضة العالمية.

وجاءت تصاميم الفرنسي دومنيك سيرو، في هذه الدورة، وكأنها تحتفي بشواطئ أغادير، حيث قدم تشكيلة هي عبارة عن فساتين سهرة وقفطان باللونين الأزرق والأبيض، شكلت لوحة منسجمة مع ديكور المنصة الذي صمم على شكل شاطئ بحري، داخل خيمة كبيرة نصبت على شاطئ المدينة.

ولوحظ خلال العرض الأخير عودة قماش المخمل بمختلف ألوانه إلى الظهور في مختلف التصميمات الخاصة بالقفطان التقليدي، لما يتميز به من نعومة وانسيابية تضفي على الزي أناقة مترفة.

وبعد أن سادت موضة الحزام العريض جداً الذي يصل إلى الصدر، استعمل جل المصممين الحزام بحجمه العادي، المصنوع والمطرز بالحرير.

وإذا كان القفطان المغربي هو زي السهرة بالأساس، إلا أن صموده أما موجات التحديث والعصرنة، فرض مواكبته للتحولات المتسارعة التي صارت تكتسح عوالم الموضة، خوفا من أن يطاله النسيان، ولذا استجاب عدد من المصممين والمصممات لهذا التوجه فأخضعوا القفطان لمختلف أشكال التغيير لجعله لباساً يومياً بدل الاحتفاظ به في الخزانات للمناسبات فقط، حيث تشكو النساء بأنهن يدفعن مبلغاً كبيراً من المال مقابل اقتناء قفطان أنيق للسهرة، إلا أنهن لا يرتدينه سوى مرة واحدة أو مرتين.

وتساءل الكثيرون عن سبب اختيار مجلة «فام دي ماروك» (نساء المغرب) في نسختها الفرنسية، منظمة هذا الحدث، مدينة أغادير لاحتضان الدورة 11 بدلا من مدينة مراكش، والجواب كان بسيطاً للغاية، حيث أعلنت عائشة الزعيمي الصخري، رئيسة تحرير المجلة، أن الاختيار جاء من باب «التغيير» ليس إلا، وربما، أيضاً، من أجل منح أغادير جزءاً من «البريق السياحي» الذي تتمتع به منافستها الحمراء، الاسم الذي تشتهر به مدينة مراكش. فهذه الأخيرة اصبحت تحتضن عدة مهرجانات ولقاءات تتحول إلى شبه عروض للأزياء، مثل المهرجان السينمائي السنوي، الذي تحرص فيه المدعوات إلى حفلات الافتتاح والاختتام والعشاء على الاختيال في القفاطين المغربية.

الممثلة الأميركية سوزان ساراندون، مثلاً، ظهرت خلال الدورة الأخيرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في فستان ذهبي، أما الممثلة المغربية آمال عيوش فزاوجت أحمر القفطان بأزرق الجينز فكان الزواج موفقاً، في حين وقفت الإعلامية المغربية فاطمة النوالي بقدها وقفطانها الرائع توزع ابتساماتها.

من بين كل القفاطين التي استمتع بها جمهور المهرجان، بدا القفطان الذي لبسته الأميركية سوزان ساراندون الأبهي والأجمل: ممثلةٌ ذهبيةٌ تختال في قفطان ذهبي، فيما تتمشى عبر بساط ذهبي لتنال كأس تكريم ذهبي اللون والقيمة.

المأخوذون بجمال وفرادة الأزياء المغربية، يرون فيه عنواناً لشهرة وتميز الزي المغربي، بل يذهبون إلى القول بأنه تحول إلى «أسطورة في عالم الأزياء»، من جهة أنه يُقدم للناظرين «لوحة تجمع بين الثقافة الأصيلة التي لا تتخلص من الماضي كلياً، ولا تُهمل مسايرة العصر، محافظة بذلك على أناقة المرأة المغربية وحشمتها». كما تقول المصممة سميرة حدوشي، مضيفة أنه باختصار، «ثياب كالأحلام»، كما أنه «يمنح الأنثى شخصية أقرب إلى الملكات في ثيابهن الأسطورية». ولا تقف روعة وفرادة القفطان المغربي عند حدود الجمال الذي يفتن العين ويضفي على قامة المرأة أناقة خلابة، طالما أنه «يفيض أنوثة ورقة وحشمة ووقاراً، ونطل عبره على تاريخ مغربي وحضارة حافلة بغناها وتألقها».

العارفون بتفاصيل الموضة، يلاحظون تميز القفطان المغربي بـ«نوعية الأقمشة الفاخرة التي تُستخدم في صناعته، وألوانه الجريئة والمتناغمة، إضافة إلى التطريز بشكل كثيف أحياناً، والتصميم الذي يراعي عنصر الاحتشام، من دون أن يؤثر في الجمال العام للزي، بل ويضفي عليه، في كثير من الأحيان، نوعاً من الغموض والتألق».

بعض المهتمين بأرقام التاريخ، يربطون فتنة الألوان واللباس بحنين نحو ما يلائم الجمال ويوافق بهاءه، لذلك يُرجعون أصول القفطان التقليدي المغربي إلى زرياب، الذي يذكرون له شهرته وعنايته بأناقته: «كان ذلك قبل أن يتحول القفطان عبر التاريخ إلى زي نسائي زادته قدود الحسان روعة وجمالاً».

فهل هناك أبهى من رجل موسيقى، يذكرنا بمجد العرب وأيام الأندلس، نعيد إليه أولى خيوط قفطان صارت تتألق فيه كثير من سيدات الكون وجميلاته ؟

وما بين أناقة زرياب، في حديث المؤرخين، وجرأة المصممات المغربيات، ورغم كل اللمسات التي حاولت أن تطور في أشكاله، ظل القفطان المغربي محتفظا ببريقه ومحافظا على نفسه بحراس ناره المقدسة، حتى ظل الاقتراب من إغراءات التطوير البارد يحمل بذور حذر شديد من إيقاظ الحراس، المنتبهين بدورهم لكل احتمالات فقدان القفطان لأصالته وعراقته وما يمثله على الصعيد الحضاري والتاريخي للبلد وناسه.

ومن أرقى المناسبات التي يتألق فيها القفطان المغربي نجد حفلات الزفاف، حيث جرت العادة أن يكون القفطان اللباس الرئيسي للعروس، عبر مختلف ربوع المملكة، في القرى كما في المدن، في وقت تتوارى فيه الأزياء والموديلات العالمية وفساتين الزفاف البيضاء، التي تتحفنا بها الأفلام والمسلسلات المصرية والعالمية، إلى الخلف، حتى أننا يمكن أن نقول إن العرس المغربي الذي لا ترتدي فيه العروس القفاطين المغربية لا يمكن أن نسميه عرساً. فهي لا تكتفي بواحد بل تقوم بشبه استعراض لحوالي 7 أو 10 قفاطين في الليلة الكبيرة، كل يحمل بصمات منطقة من المناطق المغربية، حيث يشعر الحضور وكأنهم في عرض فني، تتوافر فيه إمكانية قراءة تاريخ كل قفطان والثقافة المنطقة التي يعبر عنها، او كأنهم بصدد لوحة أو رسم تشكيلي.

الأمر نفسه ينطبق على المدعوات اللواتي لا يمكن ان تسول لهن أنفسهن بارتداء أزياء عصرية في هذه المناسبات سوى في حالات نادرة جدا. فهو في لغة المغربيات زي تنطبق عليه كل مقومات الخياطة الرفيعة «الهوت كوتير» وهو ما يعني انه أعلى مستوى بكثير من فساتين السهرة، التي توصف في لغة الموضة بالملابس الجاهزة.