كلمات متقاطعة وساكسفون وغيتار.. إنه عالم بيل كلينتون

صحيفة «نيويورك تايمز» تستعين بخدمات الرئيس الأميركي السابق المتعدد المواهب

TT

نشرت جريدة «نيويورك تايمز» مؤخرا لغز الكلمات المتقاطعة اليومي، لكن، على غير العادة، لم يكتبها بيل شورتز، الذي ظل يكتبها منذ 15 سنة. كتبها «بيل» آخر هو... بيل كلينتون، الرئيس الأميركي السابق. ليس سرا ان كلينتون يهوى حل الكلمات المتقاطعة منذ ان كان في البيت الابيض (فضل التي في جريدة «نيويورك تايمز» على التي في جريدة «واشنطن بوست». لم يقل لانها اصعب، حتى لا يتهم بأنه يسيء الى الجريدة الرئيسية في العاصمة الاميركية. لكن، يعرف ذلك الذين يمارسون هذه الهواية).

والمعروف عن كلينتون انه متعدد الهوايات، فهو يعزف على آلة الساكسفون بمهارة، ويعزف على الغيتار، ويتحين الفرص للاستمتاع بلعبة الغولف.

وقد زاد عشق كلينتون للكلمات المتقاطعة بعد ان خرج من البيت الابيض (وكبر في السن). وفي السنة الماضية، قال في فيلم تلفزيوني وثائقي «ويرك بلاي» (لعب العمل) عن الكلمات المتقاطعة: «في سني هذا (ستين سنة)، اخاف من امراض الشيخوخة». لم يشر الى مرض الزهايمر (فقدان الذاكرة تدريجيا مع التقدم في السن تدريجيا، خلال عشر او خمس عشرة سنة). لكن اثبتت ابحاث علمية نشرت مؤخرا ان الكلمات المتقاطعة تساعد على منع المرض، او على تخفيض اثره بعد بدايته.

وقالت دراسة اصدرها «ناشيونال انستيتيوت اوف هيلث» (معهد الصحة الوطني)، ان الكلمات المتقاطعة، والقراءة، ولعب الورق، تساعد على مواجهة الزهايمر. واضافت الدراسة: لم يتأكد العلماء من صلة معينة بين نشاط المخ والزهايمر. لكن، تقول نظرية ان الرياضة الذهنية تساعد المخ على مواجهة انقراض المخ، مع تقدم السن.

يقول لـ«الشرق الاوسط» بيل شورتز، كاتب الكلمات المتقاطعة في جريدة «نيويورك تايمز»، انه كان يعرف ان الرئيس السابق بيل كلينتون يحل كلماته المتقاطعة منذ ان كان رئيسا، وانه دعاه الى البيت الابيض اكثر من مرة، وتحدثا عن تاريخ وفن واسرار الكلمات المتقاطعة.

وقال ان سبب دعوة كلينتون لكتابة الكلمات المتقاطعة في الاسبوع الماضي كان اصدار عدد خاص من مجلة «نيويورك تايمز» عن الـ«بيبي بومرز» (جيل الاميركيين الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية). وقررت هيئة التحرير ان تكون الكلمات المتقاطعة فيها عن ذلك الجيل. واقترح هو ان يكتبها واحد من ابناء ذلك الجيل، واقترح كلينتون، بعد ان اشار الى ادمانه على الكلمات المتقاطعة.

وقال ان قسم الكلمات المتقاطعة وضع التصميم، ثم ارسله هو الى كلينتون، وطلب منه وضع الاسئلة والاجوبة.

ووصف انجاز كلينتون بأنه كان ممتازا، خاصة بالنسبة لشخص ليس محترفا، ولانشغال كلينتون بنشاطات كثيرة اخرى، اميركية وعالمية. وقال ان ملايين الناس زاروا موقع الجريدة في الانترنت لحل كلمات كلينتون المتقاطعة.

وهناك شخصيات اميركية مشهورة تتابع الكلمات المتقاطعة، التي يضعها شولتز في جريدة «نيويورك تايمز»، وهناك وزراء، واعضاء في الكونغرس، وفي العائلة المالكة في بريطانيا.

واضاف انه ينوى اصدار كتاب فيه مجموعة اخرى من الكلمات المتقاطعة التي نشرت، وانه يفعل ذلك من وقت لآخر. وعن آلية العمل في القسم قال شورتز انه يعتمد على جهاز تحرير، يستقبل اقتراحات القراء، ويقدم اقتراحات، ويراجع الاسئلة والاجوبة، ثم يرسل كل حلقة الى اربعة اشخاص للتأكد من امكانية الاجابة عليها قبل ارسالها الى المطبعة.

ورغم الاجراءات الطويلة التي تتم قبل النشر، فقد يرد خطأ إما في سؤال او في جواب وإن كان ذلك نادر الحدوث. وقال ان الاخطاء لا تزيد عن عشرة كل سنة، من جملة اكثر من ثلاثين الف سؤال وجواب.

وعن تأثير عصر الكومبيوتر على عمله، قال شورتز انه جرب الاستعانة بالكومبيوتر، لكن وجده جافا وروتينيا، ولا يقدر على اضفاء الروح الانسانية، والمرح واللطف على الكلمات الالكترونية المتقاطعة. ولكنه اضاف ان الانترنت تساعد على انتشار كلماته المتقاطعة، وانه علم ان شركة غوغل لاحظت زيادة استعمال ماكينات البحث التابعة لها للبحث عن اجوبة لأسئلة في كلماته المتقاطعة.

من جهته يقول بيلي هيلز، استاذ علم نفس في جامعة كوستال (ولاية نورث كارولينا): هناك مثل اميركي يعتبر انك تفقد ما لا تستعمل. وتفقد ذاكرتك اذا لم تستعملها. ولهذا، تجبرك الكلمات المتقاطعة على ان تفعل شيئين: اولا، تتذكر اشياء نسيتها. ثانيا، تفكر في اشياء لم تكن تعرفها.

واضاف: يجب الا ننسى ان الكلمات المتقاطعة مصدر رئيسي للمعرفة. لا يتوقع اي شخص ان يقدر على الاجابة على كل الاسئلة. ولهذا، يسأل الذي يجلس الى جواره، او يبحث في قاموس، او معجم، او كتاب تاريخ. واشار الى اهمية متابعة الاخبار اليومية، لان الكلمات المتقاطعة التي تنشرها الصحف اليومية تميل نحو كلمات لها صلة بالتطورات السياسية في الداخل او الخارج. الجدير بالذكر أن اول شبكة كلمات متقاطعة نشرت في جريدة «نيويورك وورلد» يوم 21-12-1913 وكتبها ارثر واين، وهو صحافي بريطاني هاجر من ليفربول الى نيويورك. دخل عليه رئيس تحرير الجريدة، وقال له ان عدد يوم الاحد الاسبوعي ثقيل، وان مواده جادة اكثر مما يجب. وسأله اذا كان يعرف الغازا او مسابقات لنشرها. تذكر واين انه كان يلعب مع زملائه في ليفربول «كلمات سحرية» (يكتب واحد، افقيا، حروف كلمة، ثم يضيف آخرون كلمات عمودية يقاطع حرف فيها حرفا في الكلمة الافقية).

ولم ينس واين وطنه الاول، وفي سنة 1924، نشرت جريدة «صنداي اكسبرس» اول كلمات متقاطعة كتبها. وبعد ذلك بعشرين سنة تقريبا، اصدرت دار نشر «سايمون آند شوستر»، اول كتاب كلمات متقاطعة. وفوجئت دار النشر بكثرة الاقبال على الكتاب، وكانت تلك بداية «جنون الكلمات المتقاطعة». وحتى اليوم، لا تزال دار النشر تنشر كتابا كل سنة.

في الوقت الحاضر، تعتبر الكلمات المتقاطعة في جريدة «نيويورك تايمز» اشهرها، لأنها اصعبها واقدمها، نشرت بدون انقطاع (منذ سنة 1942). وبدأ يشرف عليها، منذ سنة 1993، وحتى اليوم، بيل شورتز. كلمات متقاطعة وشوكولاته..

* هناك صلة وثيقة بين الكلمات المتقاطعة والحروب، وذلك لسببين، على الاقل:

اولا، استعمالها لنقل معلومات سرية. خلال الحرب العالمية الثانية (في سنة 1944)، اكتشفت الاستخبارات البريطانية ان صحيفة «صنداي تلغراف» نشرت كلمات متقاطعة فيها كلمة «يوتا»، وهي كلمة السر لضرب المانيا. وكانت الاستخبارات تتابع الكلمات المتقاطعة بحثا عن اسرار العدو. (تأكد ان الكاتب ليونارد داوي، قصد ولاية «يوتا» الاميركية، ولم يكن يعرف اي شئ عن اي خطة عسكرية).

ثانيا، خلال نفس الحرب، وزع البنتاغون كتب الكلمات المتقاطعة على ملايين الجنود الذين كانوا يحاربون في اوروبا، وغرب المحيط الهادي، وشمال افريقيا. واثبتت ابحاث علمية اشرف عليها البنتاغون، ان الكلمات المتقاطعة ترفع الروح المعنوية للجنود.

وقال مارك رومانو، مؤلف كتاب «رحلة الى داخل ادمان الاميركيين الكلمات المتقاطعة» (صدر سنة 2005): ادمن الجنود الاميركيون خلال الحرب شيئين: الكلمات المتقاطعة والشوكولاته. وكانت تلك من اسباب انتشار الاثنين في اوروبا. وربط الكتاب بين الكلمات المتقاطعة والشوكولاته، وقال: يتشابهان في الانقطاع عنهما، ثم العودة اليهما بعد غياب طويل: شيء لذيذ لا نهاية للاستمتاع به.

بيل شورتز.. عمر مع الكلمات المتقاطعة

* بدأ بيل شورتز حل الكلمات المتقاطعة وهو في روضة الاطفال. وبدأ يؤلفها وهو في المدرسة الابتدائية. واول كلمة حيرته كانت «كروفوردزفيل»، اسم المدينة التى ولد فيها في ولاية انديانا. وجد ان فيها ثلاثة اسماء: كرو (غراب)، فورد (نهر صغير)، وفيل (مدينة). ولأنه كان يحب الجغرافيا وقراءة الخرائط، بدأ يجمع اسم المدن التي تبدأ بـ«كرو»، ثم الكلمات التي تنتهى بـ «فيل»، وهكذا. في سنة 1974، عندما دخل جامعة انديانا، تخصص في «انيجماتولوجي»، علم الالغاز. لكن، وجده علما غزيرا يعود الى الغاز الفراعنة والرومان والاغريق، ولهذا ركز على الكلمات المتقاطعة. وعندما انهى دراسته، لم يجد بها عملا، وواجه اسئلة ونظرات استغرب. ولهذا، عاد الى الجامعة لدراسة القانون لثلاث سنوات. وبعد ان تخرج، وبعد اقل من سنة في مكتب محاماة (كان يكتب فيه الالغاز سرا)، قرر ان يتفرغ للالغاز. ومرة اخرى، واجهته نفس الاسئلة ونظرات الاستغراب. لكن، كما قال في مقابلة مع جريدة «الغارديان» البريطانية، اعطته شهادة القانون بجوار اسمه احتراما، سهل عليه الحصول على وظيفة. قال، في وقت لاحق: انا انسان مرح ولا احب الحياة المعقدة. يعقد القانون الحياة لأنه يضع قانونا ونظاما لكل كبيرة وصغيرة. في الحقيقة، لا اعرف لماذا قضيت اربع سنوات ادرسه.

وينظم بيل شورتز، اشهر كاتب كلمات متقاطعة في اميركا، بحكم اشرافه عليها في صحيفة «نيويورك تايمز»، على مسابقة سنوية للكلمات المتقاطعة. ماذا يفعل الناس في مؤتمر الكلمات المتقاطعة؟ يستمعون الى شخص مثل شورتز: يتكلم لفترة قصيرة عن حياته، ثم يجيب لفترة قصيرة على اسئلة الحضور عن كيف يكتب الالغاز. ثم يقضي معظم الوقت في اختبار ذكاء الحاضرين بأن يصف كلمة، ويطلب منهم الاجابة، او ما تعرف بالكلمات المتقاطعة الشفهية.

في ذلك المؤتمر السنوي، سئل شورتز عن موضوع آخر له صلة بالرئيس السابق كلينتون: في سنة 1996، كان كلينتون رئيسا، وترشح للرئاسة الثانية، ونافسه السناتور بوب دول. في يوم التصويت، نشر شورتز في الكلمات المتقاطعة في جريدة «نيويورك تايمز» السؤال الآتي: من سيفوز اليوم؟ وكانت هناك اجابتان: كلينتون وبوب دول. تكونت كل اجابة من ستة حروف، وكانت صحيحة في الحالتين. (فاز كلينتون).