أعمال «بيكاسو» اليابان تعرض في فيلادلفيا

سيد الفرشاة إيكي تايغا

TT

يعتبر الرسام والخطاط الياباني إيكي تايغا الذي عاش في القرن الثامن عشر بمثابة بابلو بيكاسو اليابان. والمقارنة وإن كانت سطحية، يصعب مقاومتها وأنت تشاهد اللوحات والاعمال المعروضة في معرض استعادي في متحف فيلادلفيا للفنون، وتبدأ في استيعاب الجوانب المتعددة لإنجازاته.

والعرض هو اول عرض شامل لإعمال تايغا في الولايات المتحدة، والمعرض منعش ومبهج في غزارته، ومداه وحيويته. المعرض الذي يغطي 4 عقود يضم 200 لوحة تقدم حياة هذا الفنان، الذي بدأ حياته، مثل بيكاسو، طفلا موهوبا ولم يتوقف ابدا عن اجراء التجارب. واصبح تايغا شخصية رئيسية في عالم الفنون في اليابان في القرن الثامن عشر، كفنان مبدع في مجال رسوم النانغا ـ الذي يرجع الى اعمال فنانين جنوب الصين ويتخصص في لوحات الطبيعة وكفنان يهتم بالتقاليد اليابانية.

ويشمل المعرض الذي نظمته فليس فشر امينة قسم الفنون اليابانية في متحف فيلادلفيا، بالاشتراك مع كيوكو كينوشيتا، مساعد امين الفنون اليابانية، عدة استعارات من متاحف يابانية ـ من بينها عدة اعمال تعتبر من بين الكنوز الوطنية اليابانية. كان تايغا خبيرا في الرسم والشعر الصيني لكل العصور، ولكنه كان اكثر اهتماما بما يعرف بـ«الفنانين المتأدبين» لعصري المينغ والكينغ، وكان على معرفة بمدارس الفنون الرسمية اليابانية، بما في ذلك افكار كونفوشيوس الجديدة ومهتما بأديان المنطقة مثل الداوية والبوذية. وكان يمزج لوحات الطبيعة التي يرسمها بنوع من الاحساس بالواقع اكتسبه من رحلاته المكثفة في انحاء اليابان. وكان غزير الانتاج يتنقل بين الاساليب المختلفة بثقة وبعض المرح.

وقد ظهرت موهبته لأول مرة في لوحة خط رسمها وعمره لم يزد عن 11 سنة واستمر في رسم اللفائف المعلقة في فترة المراهقة ـ بما في ذلك عدة اعمال رسمها بإصابعه واظافره ـ يتنقل المعرض في عدة اتجاهات، كل شيء موجود: شبكات مرسومة مراوح ولفائف يدوية، لوحات خط باشكال واحجام مختلفة، لوحات مرسومة بحبر سومي وبالطبع هناك رسوماته المميزة والتي صور فيها المناظر الطبيعية مستخدما الاسلوب الصيني والتي وصلت قمتها في مجموعة من اللفائف المعلقة تتابع الفصول المختلفة شهرا بشهر. ومثل الفنانين الصينيين الذين سبقوه نشر كتب عن فن الرسم استخدمت لأجيال عديدة. وانجازاته تكاد تكون ملحمية ولا سيما اذا عرفت انه مات في سن الثالثة والخمسين.

الا ان تايغا لم يكن وحده. فقد تزوج من توكوياما غيوكوران وهي خطاطة موهوبة وشاعرة ورسامة. وكانا يعملان في استديو واحد مزدحم وتركزت حياتهما حول الفنون. وكانا معروفان ومشهوران في حياتهما، وبعد ذلك، على الاقل في اليابان وكان تايغا مشهورا بدرجة ان اعماله كانت تزور حتى قبل مماته.

وبالرغم من ان «ايكا تايغا وتوكوياما غيوكوران: سادة الفرش» ليس معرضا استعاديا مشتركا بالضبط، الا انه يضم عدة لوحات لغيوكوران، بالاضافة الى بعض الاعمال المشتركة. ويشمل دليل المعرض مقالة كتبتها كينوشيتا حول حياة غيوكوران. وبالحكم على اعمال غيوكوران المنشورة في الدليل وغير الموجودة في المعرض كان يمكن ان يصبح المعرض اكثر توازنا.

وبالرغم من ذلك يمكنك ملاحظة التداخل في الاسلوب بين الاثنين: فقد علمها الرسم، ووسعت هي معلوماته عن الشعر والخط الياباني، الذي يجد افضل تعبيراته في فن الهايغا وهو المزج الياباني المميز بين الحرف والصورة، وهو بعض من افضل ما هو موجود في المعرض.

ونشأ كل من تيغا وغايوكوران نشأة متواضعة نسبيا بواسطة والدتين تتمتعان بنظرة بعيدة. ولد تيغا عام 1723 لوالد مزارع جاء الى طوكيو للعمل في مصنع لسك الفضة لكنه توفي في عمر مبكر وكان عمر تيغا في ذلك الوقت ثلاث سنوات. كان نظام حكم توكوغاوا يعمل على توطيد سلطته من خلال توسيع دائرة تدريس الفكر الصيني الكونفوشي والخط لأعداد كبيرة من الأطفال اليابانيين. لاحظت والدة تيغا ذكاء مبكرا ومعرفة واسعة لدى ابنها الذي لم تتعد سنه في ذلك الوقت 11 عاما، إذ تمكن من إتقان قواعد الخط باللغة الصينية وأدهش الكهنة في معبد مامبوكو ـ جي زين في كيوتو. بدأ تيغا عندما كان مراهقا دراسة التلوين وفتح محلا لبيع مراوح اليد الملونة. ولدت غيوكوران عام 1728 لأب من طبقة المحاربين الارستقراطيين وربّتها والدتها يوري وجدتها كاجي، اللتان كانتا شاعرتين. ربما اختارت يوري، التي كانت دائما ما تذّكر ابنتها بدم المحاربين الارستقراطيين الذي يجري في عروقها، تيغا زوجا لإبنتها، ولكن من المحتمل ايضا ان يكون قد اقترح تلك الزيجة ياناغيساوا كين، وهو فنان بارز درسا معه في ذلك الوقت. هناك موضوعان اساسيان للمعرض. اولهما، بالطبع، التبجيل الروحي للطبيعة، وهذا جانب جوهري في الكثير من ضروب الفين الياباني بصورة عامة، وفي اسلوب النانغا بصورة خاصة. اما الموضوع الثاني، فيتعلق بالمادة. وتظهر الكثير من المعارض كيفية توسع العمل بالحبر كوسيلة تعبير رائعة خصوصا في الأعمال التي تتناول الطبيعة. هناك سلسلة من خمسة أعمال وسّع تيغا فيها فنه في مجال الخط، فيما تعكس لوحات اخرى ركز تيغا فيها على المناظر الطبيعية الصينية، ربما لأن هذا ما كان يريده المسؤولون عن رعايته فنيا. هناك ايضا 8 من مجموع 12 لوحة تشتمل على أشهر العام لكل منها اسلوب مختلف واستخدام مختلف للريشة. ويشعر الشخص بلمسات تيغا، خصوصا في النماذج الصينية. شأنهما شأن غالبية فناني النانغا انطلق كل من تيغا وغيوكوران من الهواية التي وجدت تقديرا من طبقة المثقفين الصينيين، وكانت غالبيتهم من مسؤولين البلاط الذين يمارسون هواية الرسم في اوقات الفراغ بغرض تسلية انفسهم وأصدقاءهم. عمل كل من تيغا وغيوكوران بكل جدية للاعتماد على نفسيهما في الحياة، إذ كانا ينتجان أعمالا فنية للمعابد والأفراد ايضا، فضلا عن بيع بعض الأعمال الصغيرة في الاستوديوهات التي كانا يعملان ويسكنان بها. ورد اسم وعنوان كل من تيغا وغيوكوران في أول دليل للشخصيات المحلية في كيوتو عام 1768.

* خدمة «نيويورك تايمز»