ما تزال للصحف مكانتها وجمهورها في الهند

150 مليون شخص يقرأونها يومياً

TT

تنعى الصحف مستقبلها في الولايات المتحدة والكثير من دول أوروبا، خاصة مع انتشار الانترنت وانحسار اهتمام الجمهور بقراءة الصحف. ولكن هذه الأنباء لم تصل الى الهند. فهنا يقرأ ما يزيد على 150 مليونا الصحف كل يوم، بالمقارنة مع 97 مليون أميركي و48 مليون الماني، وترتفع ارقام التوزيع. ومن المتوقع ان تزيد الاعلانات بنسبة 15 في المائة العام الحالي.

وهناك ازدحام امام اكشاك بيع الصحف في الهند. ففي نيودلهي تطبع الصحف بـ15 لغة تمتد من الانجليزية الى الهندية الى مزيد من اللغات المحلية مثل لغة التيلوغو المستخدمة جنوب الهند. ويعرض محل مشهور للصحف في نيودلهي 117 صحيفة يومية ليتحول الى مكان يمكن للجميع ان يجد فيه ما يقرأونه حيث يجدون نجوم بوليوود والكلمات المركبة المبهمة ومعطيات السوق ونتائج الكريكت، وهي تحتل مكانها في الصحف.

وتراهن شركات الصحف على انه ما زال هناك مجال اكبر للنمو، خاصة في المناطق الريفية حيث ما تزال دائرة القراء محدودة، وهي تصدر صحفا جديدة وطبعات جديدة في مختلف انحاء هذه البلاد التي يبلغ عدد سكانها 1.1 مليار نسمة. ويعود التفاؤل، الى حد كبير، الى اقتصاد الهند المتسارع النمو والذي يتوقع أن يزيد نموه بنسبة ثمانية في المائة العام الحالي، والمداخيل المرتفعة ومستويات التعليم التي ترافق ذلك.

وتزدهر الصحف ايضا لأن مشهد وسائل الاعلام في الهند يبقى متجذرا في اسلوب طباعة القرن العشرين قبل ان يتسع الانترنت أو يرسخ تلفزيون الكيبل أقدامه.

وعلى الرغم من ازدهار صناعة التكنولوجيا، الذي ساعد على تغذية النمو الاقتصادي، فان 5.8 مليون هندي فقط يستخدمون الانترنت وفقا لأرقام حكومية، بل ان بعض من يستخدمون الكومبيوتر لا يطلعون على الطبعات التي تظهر على الانترنت. وقال هيمانت سوري، مستشار الموارد البشرية في نيودلهي، وهو يقرأ صحيفته، ان «الاحساس عند قراءة الصحيفة مختلف تماما. الانترنت لا يمكن أن يعوض عن ذلك». وبينما ينمو تلفزيون الكيبل على نحو سريع، فانه ما يزال باهض الثمن بالنسبة لمعظم العوائل الهندية، خصوصا بالمقارنة مع الصحف التي يمكن شراؤها بسعر يقل عن سعر قدح الشاي.

وتمنع القوانين محطات الاذاعة من تقديم الأخبار تاركة الصحف، باعتبارها الوسط المفضل لذلك، بالنسبة للجمهور والمعلنين، وفقا لما يقوله خبراء الاعلام. وفي العام الماضي ترك راجو ناريسيتي الوول ستريت جورنال حيث كان محرر الطبعة الهندية ليبدأ مشروع صحيفة جديدة في الهند تنشرها شركة كبرى هي «هندوستان تايمز ميديا ليمتد». وقال ناريسيتي ان الفرق في أجواء العمل هائلة.

وفي اوروبا، كان الشهر جيدا عندما لم تنخفض ارقام التوزيع والاعلانات حسب قوله. واضاف «هنا اجلس في اجتماعات حيث الرئيس التنفيذي يضرب قبضته على المنضدة عندما يقول الشخص المسؤول عن الاعلانات انه ستكون هناك زيادة في الايرادات بنسبة 30 في المائة. وتقول شركة «إتش تي ميديا» ان ايراداتها ارتفعت بنسبة 28 في المائة حتى الآن في السنة المالية الحالية، التي تبدأ من ابريل لتنتهي في مارس، وزادت الايرادات في السهم الواحد بما يزيد على 200 في المائة. وبينما تعتبر معظم الصحف الهندية ملكية خاصة يتفق المحللون على ان شركات الصحف الأخرى تشهد ارباحا مماثلة. وبالمقارنة، فان عام 2006 شهد أول انخفاض في ايرادات الصحف الأميركية في سنة لا تتميز بوجود ركود اقتصادي، وفقا لمؤسسة مورغان ستانلي التي يتكهن محللوها أن عام 2007 سيكون عاما صعبا أيضا. وتصل الصحافة الهندية إلى حوالي 35 في المائة من الراشدين في البلد حسبما جاء في الجمعية العالمية للصحف. وفي الولايات المتحدة يشتري 17 في المائة من الراشدين صحفا يومية على الرغم من أن معظم الصحف يشارك في قراءتها شخص واحد على الأقل حسب جمعية الصحف في اميركا. وهبط توزيع الصحف في الولايات المتحدة بشكل منتظم خلال العقدين الأخيرين من 63 مليون شخص عام 1985 إلى 53 مليون شخص عام 2005، حسب جمعية صحف أميركا. كذلك هبطت نسبة قراء الصحف في بريطانيا خلال الفترة من عام 2001 إلى 2005 بنسبة 3 في المائة أما في ألمانيا، فهبطت نسبة قراء الصحف بنسبة 11 في المائة خلال الفترة نفسها، حسبما جاء في الجمعية العالمية للصحف.

أما في الهند فارتفعت نسبة القراءة على 33 في المائة من عام 2001 إلى 2005 حسبما جاء في «مسجل الصحف». في بلد تبلغ فيه نسبة الأمية بين الراشدين 61 في المائة ما زال هناك 300 مليون قادر على القراءة والكثير منهم يتابعون الصحف. مع ذلك، فإن المراقبين يتوقعون زيادة الأمية وزيادة الاقبال على الصحف خلال السنوات المقبلة. وتتميز صحف الهند بجاذبيتها وقوة تشبثها بقناعاتها. وهي ليست مصدر ثقة دائما. وتتضمن صفحات المنوعات قصص جرائم رهيبة ومعجزات في القرى النائية بينما في الصفحة 3 هناك أقسام للنميمة مع احتفالات تقوم بها مؤسسات مختلفة كل ذلك الى جانب أخبار النجوم.

وتمتلك كل تلك الصحف عنصرا مشتركا هو أنها رخيصة، فأسعارها لا تزيد على روبيتين أي ما يعادل 5 سنتات. وقال انوراغ باترا من مركز تسويق اكستشينج 4 ميديا: «أنت تدفع أكثر على قطعة حلوى مما تدفعه لشراء جريدة». والأسعار المنخفضة تعني أيضا أن الأشخاص العاديين يقرأون ما بين 4 إلى 5 صحف كل يوم.

ويقرأ سوري المقيم في نيودلهي أربع صحف كل يوم بينما جده كان يقرأ 12. وقال سوري: «أنا أقرأها للتحسس بما يجري في البلد. هناك فرح محض عند قراءة الصحف». وجاء في «مسجل الصحف»: «قد تريد أسرة ما شراء صحيفة بالإنجليزية لأنها تريد أن تظهر بمظهر عائلة راقية». وهناك حوالي 11 مليون نسخة من الصحف المكتوبة بالإنجليزية تباع كل يوم بينما تبلغ الصحف المكتوبة بالهندي حوالي 34 مليون نسخة حسب «مسجل الصحف» في الهند. كذلك يعكس تنامي نفوذ الهند في الوسط الإعلامي حيث هناك ما لا يقل عن 5 صحف خاصة بالاقتصاد تتنافس كي ترضي نهما متزايدا للأخبار المالية. وعلى الرغم من الازدهار في مجال الطبع فإن قليلين يؤمنون بأن صحف الهند قادرة على البقاء في النمو بشكل دائم.

وقال ناريسيتي «أنا لا أشك في أن سوق الإعلام الهندي سيقلد في الأخير الإعلام الغربي من حيث توقف تنامي توزيع الصحف تماما وأن يصبح الانترنت هو الأكبر. لكنني أظن أن ذلك سيحدث خلال فترة تتراوح ما بين 10 إلى 15 سنة».

ويريد بعض مديري الصحف الغربيين والأميركيين أن يتحدثوا مع نيتا بوري وزبائنها عند كشك الصحف الذي تملكه ويضم 117 صحيفة. وقالت: «طعم قهوتي الصباحية ليس لذيذا دائما في الصباح إذا لم تكن لدي صحيفة أقرأها معها».