معرضان يسجلان اللقاء بين عالمين

من وإلى العالم الجديد

TT

حول مائدة ضخمة في بداية معرض «عالم جديد: كيف رأت انجلترا أميركا» تجمع العديد من الزوار لمطالعة خريطة ضخمة للعالم رسمت في القرن السادس عشر. الخريطة التي حددت بلدان العالم القديم والجديد واضافت رسومات لأشخاص للدلالة على شعوب وحيوانات او اشجار تميز بلدانا بعينها. والناظر للخريطة قد يمضي وقتا طويلا للتعرف على كل بلد والعناصر المختلفة التي تميزه. الطريف في الخريطة انها مرسومة بحيث يمكن مطالعتها من اسفل ومن اعلى، فحيثما وجهت نظرك ستجد ما يشغل بصرك وعقلك معه. وهذا ما حدث بالفعل، فقد انشغل المتطلعون على الخريطة بمحاولة معرفة اماكن بلدانهم والبلدان التي زاروها وتعالت آهات الاعجاب والدهشة.

المعرض تزامن مع معرض آخر في «ناشيونال بورتريه غاليري» بعنوان «بين عالمين: مسافرون الى بريطانيا 1700 ـ 1850» الذي يعرض صورا لزوار من اميركا والهند لبريطانيا، وكلها اجزاء من الامبراطورية البريطانية. المعروضات تشكل فيما بينها صورة مختلفة لعلاقة بريطانيا مع مستعمراتها وكيف رأى القادمون من تلك البلدان بريطانيا.

المعرضان اقيما بمناسبة الاحتفال بمرور 400 عام على بداية الاستيطان البريطاني لاول مستعمرة في العالم الجديد وهي مستعمرة «جيمس تاون».

«عالم جديد: كيف رأت انجلترا أميركا» يعتمد على رسومات واسكيتشات للعالم الجديد بسكانه ونباتاته وحيواناته رسمها الفنان جون وايت الذي صاحب اوائل البعثات الاستكشافية للعالم الجديد بداية من بعثة 1580 التي توجهت الى مقاطعة فيرجينيا. وسجل وايت مشاهداته في مجموعة ضخمة من اللوحات مرسومة بالالوان المائية. وتعتبر هذه اللوحات التوثيق الوحيد المتبقي لتلك المرحلة المبكرة من تاريخ أميركا. المعرض يضم رسومات وايت المستعارة من المجموعة الدائمة للمتحف البريطاني بالاضافة الى مجموعة من الخرائط النادرة واجهزة الإبحار التي استعارها المعرض من الـ«ناشيونال بورتريه غاليري» والمكتبة البريطانية.

المعرض الى جانب استكشاف طبيعة الحياة في العالم الجديد يرسم ايضا صورة للسياسة في بلاط الملكة اليزابيث الاولى التي تمت في عهدها اولى بعثات الاستكشاف. فقد زخر القرن السادس عشر بالاكتشافات الجغرافية الاوروبية وان كانت بريطانيا لم تلعب دورا مبكرا في تلك الاكتشافات، ولكن في عهد الملكة اليزابيث الاولى ازدادت الجهود للحاق بباقي الدول الاوروبية في هذا المجال. وهكذا ذهب وايت مع اوائل البعثات الكشفية مع السير والتر راليه الى الارض التي اطلق عليها راليه اسم «فيرجينيا» نسبة الى الملكة اليزابيث التي كانت تعرف بالملكة العذراء «ذا فيرجين كوين».

في عام 1584 ارسل راليه بعثة ثانية الى فيرجينيا ضم اليها معلمه توماس هاريوت الذي كان عليه استكشاف مدى أهلية الاراضي الجديدة للتجارة والزراعة. البعثة ضمت جون وايت الذي ارسل لرسم الخرائط واللوحات للعالم الجديد. ورغم ان المعروف عن جون وايت قليل الا ان المعرض وعن طريق اللوحات التي يضمها يقدم وايت كرسام ماهر تميزت رسوماته بالدقة والبراعة. فيتنقل بين رسم شخصيات زعماء القبائل بكامل اسلحتهم وعتادهم والوشم المتشابك على اجسادهم الى رسم الحيوانات والنباتات الفريدة. الطريف ان زوجات زعماء القبائل يشتركن مع ازواجهن في الوشم على اجسادهن بحيث تختفي ملامح الجسد خلف الرسومات الدقيقة والمتشابكة. واضافة الى ذلك سجل وايت وهاريوت اللغات المستخدمة وطقوس الحياة اليومية بالاضافة الى الحياة البرية.

وعند عودته الى بريطانيا في عام 1585 حمل وايت معه مجموعة ضخمة من الرسومات التي صورت الحياة في العالم الجديد على انها الجنة على الارض، وهكذا ارسيت دعائم اول مستعمرة بريطانيا في فيرجينيا، اذ ارسلت الملكة 150 رجلا وامراة وطفلا الى تلك البقاع للعيش فيها.

الرؤية من العالم الآخر هي قوام المعرض الثاني في الـ«ناشيونال بورتريه غاليري»، فالمعرض يقدم دلالات اللقاءات الاولى بين البريطانين وسكان المستعمرات. اللوحات تصور اربعة ملوك من العالم الجديد ومهراجا من الهند وبعض رؤساء القبائل من افريقيا. الزوار كان لكل منهم سبب لزيارة بريطانيا في ذلك الوقت واستقبلوا بترحاب واهتمام شديدين. وترسم اللوحات وما صاحبها من وثائق ومتعلقات تجارب هؤلاء الزوار وانطباعاتهم عن بريطانيا وتأثير زيارتهم على المجتمع البريطاني.

من اهم القطع المعروضة لوحات «اربعة من ملوك الهنود الحمر» الذين قدمو الى بريطانيا لعرض الدعم والمساندة لبريطانيا في مواجهة الفرنسيين في الصراع للتحكم في اميركا الشمالية.

المعرض يقدم صورا لاشهر زوار بريطانيا في تلك الفترة بدءا من الملك التاهيتي اوماي الذي زار بريطانيا في عام 1774 الى المهراجا راماهون روي الذي جاء الى بريطانيا في مهمة كلفه بها الامبراطور اكبر شاه الثاني.

من خلال المعرضين ينكشف لنا جانب آخر من الحركة الاستعمارية في ذلك الوقت وهو جانب يتعلق بالسكان وحياتهم اليومية في تلك الاراضي.