السفينة «كوين اليزابيث 2».. رحلة أخيرة من أعالي البحار إلى دبي

دشنتها الملكة اليزابيث الثانية في سبتمبر 1967 مستخدمة مقصا من الذهب كانت أمها وجدتها قد استخدمتاه

TT

بعد عامين من اليوم ستنتقل السفينة السياحية الشهيرة «كوين اليزابيث 2» مقرها من بريطانيا حيث كانت على مدار الاعوام الاربعين الماضية تنطلق ماخرة عباب الاطلسي الى الشرق وتحديدا الخليج العربي لتستقر هناك كفندق عائم وكمعلم سياحي يستقطب السياح والزوار. فقد اعلنت شركة «كونارد لاين» البريطانية امس عن بيع هذه السفينة إلى شركة دبي العالمية بمبلغ 100 مليون دولار أميركي وتحويلها من سفينة ركاب فخمة الى فندق عائم راق على ضفاف جزيرة «النخلة جميرا» في دبي.

وسيتم تسليم السفينة إلى شركة دبي العالمية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل 2008، حيث سيتوقف دورها كسفينة لنقل الركاب في المحيط، وبعد ذلك سيتم تجديدها وتعديلها بما يتناسب مع الدور الذي ستقوم به في موطنها الجديد. وبدءاً من العام 2009، ستكون السفينة راسية على رصيف مشيد خصيصاً لها في جزيرة النخلة التي تعتبر أكبر جزيرة من صنع الإنسان. وتعتبر هذه السفينة، التي أطلقتها ملكة بريطانيا قبل 40 عاماً، في شهر سبتمبر من العام 1967، أطول السفن خدمة في تاريخ «كونارد» الممتد على مدى 168 عاما. ومنذ أن دخلت هذه السفينة حيز الخدمة في العام 1969، قامت بخمس وعشرين رحلة عالمية، كما عبرت المحيط الأطلسي أكثر من 800 مرة، وحملت أكثر من 2.5 مليون راكب. ويبلغ طول السفينة 5.293 مترا ووزنها حوالي سبعين الف طن. كما تصل قدرتها الاستيعابية الى 1778 راكبا اضافة الى افراد الطاقم.

كارول مارلو، رئيسة مجلس إدارة «كونارد» اعتبرت هذه النهاية للسفينة التي لا تضاهيها شهرة سوى الـ«تيتانيك» فرصة للاجيال القادمة للتعرف على هذه السفينة والاطلاع على تاريخها.

اما سلطان أحمد بن سليم، رئيس دبي العالمية، فقد وصف السفينة «كوين اليزابيث 2» بأنها «واحدة من عجائب عالم البحار» مضيفا القول «يسعدني أن نتمكن من توفير مقرّ لها في واحدة من أحدث عجائب الدنيا، ألا وهي مشروع جزيرة «النخلة جميرا»، مشيرا الى ان دبي هي مدينة بحرية وان وجود السفينة فيها سيزيد تاريخها غنى.

وستخضع السفينة لبرنامج تجديد لم يتم الكشف بعد عن تفاصيله إلا أن الذي رشح من معلومات يشير الى خطط لإعادة تصميم الديكور الداخلي والتجهيزات الأخرى لهذه السفينة، كما وسيكون على متنها عند رسوها في مقرها الجديد بدبي متحف عن تاريخها العريق. السفينة، التي تعرف بأحرفها اللاتينية الأولى «كيو ئي 2»، تتبع لشركة «كونارد» البريطانية وظلت أكبر سفنها منذ بنائها عام 1967 إلى 2004 عندما حلت محلها «كوين ميري 2». وعكس الاعتقاد السائد فالسفينة لم تسم تيمنا بالملكة اليزابيث الثانية وإنما باليزابيث (الأولى). وأضيف الرقم «2» لاسم السفينة تمييزا له عن اسم الملكة نفسه. شيدت «كيو ئي 2» في كلايدبانك، اسكوتلندا، وكانت تعتبر آخر السفن العظيمة العابرة للمحيط الأطلسي في مرحلة ما قبل «كوين ميري 2»، والأخيرة التي تستخدم البخار قبل تزويدها بمحركات تعمل بالديزل عام 1986، ما قلل استهلاكها الوقود الى النصف وحسن أداءها في الوقت نفسه. وقد اكتمل تشييد هيكلها في يوليو (حزيران) 1965 ودشنتها الملكة اليزابيث الثانية في 20 سبتمبر (ايلول) 1967، مستخدمة مقصا من الذهب كانت أمها وجدتها قد استخدمتاه لتدشين «كوين اليزابيث» و«كوين ميري» على التوالي. وظلت السفينة في الخدمة 40 عاما جابت فيها مختلف أنحاء الدنيا متخذة من ميناء ساوثهامبتون الانجليزي قاعدة لها.

سرعة السفينة القصوى كانت تبلغ 32.5 عقدة بحرية في الساعة عندما كانت تعمل بالبخار و34 عقدة بعد مايونات الديزل، وهو ما يجعلها أسرع سفينة ركاب من نوعها في العالم.

كانت أول رحلات «كيو ئي 2» بين ساوثهامبتون ونيويورك في الثاني من مايو (ايار) 1969 مستغرقة 4 أيام و و16 ساعة و35 دقيقة للرسو في المرفأ الأميركي. لكن الأمير تشارلز كان أول «مدني» يسافر على متنها في رحلتها من حوض بناء السفن في كلايدبانك الى غرينوك.

وعام 1970 وضعت السفينة رقما قياسيا جديدا عندما عبرت الاطلسي في 3 أيام و20 ساعة و42 دقيقة بمتوسط سرعة بلغ 30.36 عقدة بحرية في الساعة. والعام التالي شاركت في إنقاذ أكثر من 500 راكب كانوا على متن عابرة المحيطات الفرنسية «انتي» بعد نشوب حريق فيها.

وعام 1973 استأجرت مجموعة من رجال الأعمال اليهود السفينة للتوجه بها الى اسرائيل حيث كان يحتفل بالذكرى الخامسة والعشرين لقيام الدولة اليهودية. وفي 16 يوليو 1974 كشف الرئيس المصري أنور السادات في حوار معه ان العقيد الليبي معمر القذافي طلب اليه ان يدمرها بالتوربيدو لكنه رفض. وقد شهد العام الذي أكمل فيه ديكور السفينة (1969) طفرات تكنولوجية مهمة مثل تدشين طائرة «الكونكورد» وعرض فيلم «الأوديسا الفضائية» الشهير. ولذا قررت شركة «كونارد» ان يكون ديكورها «مستقبليا» على عكس السفن السابقة التي كانت «تنظر الى الخلف» بديكوراتها المستندة الى «الفن الزخرفي» القديم. فجهزت بالألمونيوم والبلاستيك الحراري والزجاج واللوحات التجريدية على الجدران.

احتفظت السفينة بهذا الديكور حتى عام 1994 عندما قررت الشركة العودة الى الديكور القديم. وهكذا عادت مقاعد الجلد المزخرفة والأبسطة السميكة الناعمة واللوحات الزيتية القديمة وصور كبار الشخصيات التي سافرت على متنها. وبين الأشياء التي أضيفت الى هذا الديكور البيانو الكبير الذي كانت تحمله «كوين ميري»، ودرع ياباني أثري كان حاكم كوغوشيما قد قدمه هدية الى الملكة اليزابيث الثانية لدى زيارتها اليابان عام 1979. في عام 1999 احتفلت «كيو ئي 2» بثلاثين عاما على المياه قامت فيها بـ 1159 رحلة مجموع أطوالها 4 ملايين و648 ألفا و50 ميلا بحريا حاملة أكثر من مليوني مسافر على متنها، من رجل الشارع العادي الى الأسر المالكة. ففي تلك الفترة استضافت السفينة ستا من هذه الفئة الأخيرة، إضافة الى خمسة من أفراد العائلة المالكة البريطانية بمن فيهم الملكة اليزابيث الثانية نفسها.

وبين أبرز ساسة العالم ممن استقلوا السفينة «كيو ئي 2» الرئيس السابق نيلسون مانديلا والرئيس جورج بوش الابن وسلطان بروناي والملك حسين ملك الاردن الراحل. كما استقلتها كوكبة من نجوم السينما والمسرح والتلفزيون أمثال جولي كريستي (دكتور زيفاغو) وكريستوفر ريفز (سوبرمان) وفناني الروك آند رول والبوب مثل التون جون وميك جاغر وجورج هاريسون ورود ستيوارت. وربما كان أبرز هؤلاء الأسماء ميلفينا دين التي كانت أصغر الناجين من كارثة غرق السفينة «تايتانيك» عام 1912. وقد اختارتها «كونارد» لتكون على متن السفينة في رحلتها الأولى بين ساوثهامبتون ونيويورك عام 1969 «حتى تكمل رحلتها التي انقطعت بغرق تايتانيك».

* وحدة أبحاث «الشرق الأوسط»