المزادات في مصر.. مهنة تحتضر

آلا أونا، آلا دوي آلا تري..

TT

«ألا اونا، ألادوي، ألا تري» ثلاث كلمات ارتبطت في الأذهان بمشاهد سينمائية عبرت عن المزادات في عدد من الأفلام المصرية. إلا أن تلك المشاهد لم تستطع التعبير عن تفاصيل ذلك العالم وأسراره. فهي مهنة غريبة تتعامل مع كل ما هو قديم وثمين وأحيانا ما لا يقدر بثمن. تعتبر مهنة المزادات من أقدم المهن التي عرفها الإنسان، واقتصرت في البداية على عملية بيع وشراء العبيد. وبمرور الزمن حلت التحف والانتيكات وقطع الأثاث الثمينة محل البشر.

وعرفت مصر المزادات بشكلها المتعارف عليه الآن مع الاحتلال الانجليزي، وكان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر، حيث ظلت تلك المهنة حكراً علي الأجانب حتى عام 1952 عندما قامت ثورة 23 يوليو، والتي شهدت نقطة انطلاق رحيل الأجانب واليهود عن مصر، وهو ما عني أمرين، الأول بدء سيطرة المصريين علي مجال المزادات. والثاني قيام الأجانب ببيع ممتلكاتهم قبل الرحيل وهو ما منح تجار المزادات الجدد من المصريين الفرصة للاتجار في تلك الممتلكات التي مثلت ثروة كبيرة لهم. والآن وبعد مرور ما يزيد علي النصف قرن باتت هناك قواعد خاصة بتنظيم المزادات والصالات العاملة بها. في مقدمتها الحصول على تراخيص فتح صالات المزادات من وزارة التجارة والصناعة التي تشير أوراقها إلى وجود 150 صالة مزاد في أنحاء مصر المختلفة، إلا أن عدد الصالات العاملة بالفعل لا يتجاوز 12 صالة على أقصى تقدير.

ويقدر الخبراء حجم تجارة التحف والأنتيكات في السوق المصري بنحو ملياري جنيه، حيث أن قصور وبيوت الباشاوات والأثرياء قبل الثورة كانت مليئة بالتحف والقطع الأصلية.

وفي العامين الأخيرين، أقيمت عدة مزادات لبيع مقتنيات العديد من المشاهير والفنانين أمثال أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ الذي كانت حصيلة مزاده نحو 12 مليون جنيه، كما أقامت صالة الحجاز للمزادات (التي غيرت نشاطها الآن) قبل عامين مزادا لبيع مقتنيات الفنانة الراحلة سعاد حسني، إلا أنه لم يحقق النجاح المرجو منه.

وكان من بين المعروضات في مزاد مقتنيات سعاد حسني، الذي نظمه عدد من الفنانين على أن يخصص دخله للمشروعات الخيرية، سيارتها من طراز (BMW) موديل 1986، وآلتا أورغ، كانت تحب العزف عليهما، ونظارتها الـRay Ban التي كانت ترتديها منذ إصابتها بالعصب السابع في وجهها، وساعة يد، وبالطو من فراء الـ«منك» وانسامبل فرنسي، وصندوق بامبو كانت تضع فيه سيناريوهات أفلامها، وخطاب وكارت معايدة بخط يدها لوالدتها في عيد الأم، وصورة بورتريه بالفحم لها، بالإضافة إلى العديد من الإكسسوارات الشخصية وفساتين أفلامها ومن أشهرها «خلى بالك من زوزو»، و«شفيقة ومتولي»، و«أميرة حبي أنا» و«المتوحشة» ومسلسل «هو وهي».

ويقول فاروق عبد العزيز صاحب صالة انترناشيونال للمزادات في القاهرة، وأكبر المتعاملين في تلك المهنة سناً: «ورثت حب هذه المهنة من والدي، الذي كان تاجر انتيكات، وحرصت على دراسة التحف في باريس قبل بدء العمل كخبير مزادات عام 1957. حينها كنت أصغر العاملين فيها، والآن أنا أكبرهم. وقد حاولت على مدار 50 عاما أن أدير صالتي بنفس القواعد، التي تدار بها صالات المزادات الكبرى في باريس، الأمر الذي أكسبني شهرة داخل وخارج مصر. ويضيف عبد العزيز: «مع صدور القانون رقم 100 لعام 1957 والذي وضع شروط ممارسة هذه المهنة للمصريين، وتأميم الثورة لثروات العديد من الإقطاعيين الذين كانوا يمتلكون العديد من التحف الفاخرة، ازدهر عمل صالات المزادات بشكل كبير. وكان معظم المقتنيات التي تباع فيها من الماركات العالمية، التي كان المصريون يسمعون عنها في الأفلام فقط».

ويضيف عبد العزيز «لغة التحف والانتيكات لغة عالمية لها عشاقها الذين يتحدثونها في كل دول العالم، من دون الحاجة لفهم لغة اللسان تماماً كالموسيقي. فعائلة المزادات عائلة واحدة حول العالم، لأن التحف متعة واستثمار في آن واحد. فالهاوي يتحول إلى تاجر مع الوقت خاصة مع إغراء المكسب وحب التحف». ولكن بالنسبة لهواة اقتناء التحف، فإن تلك الهواية قد اصبحت صعبة هذه الايام، كما يؤكد عبد العزيز، وبات الحصول على قطعة نادرة أمرا شديد الصعوبة، خاصة أن الهواة الأجانب يشترون التحفة ويخرجون بها من مصر، في الوقت الذي لا يوجد حظر قانوني على سفر التحف والانتيكات خارج البلد. حيث يقتصر الحظر على قطع الآثار فقط».

عبد العزيز الذي يقترب عمره من عمر بعض القطع التي يمتلكها في معرضه، رفض فكرة بيع قطع غير أصلية أو مقلدة في المزادات، مبرراً رفضه بقوله: «الأمر يتعلق بسمعة المكان، كما أن صاحب صالة المزادات قد يدخل في إجراءات قانونية معقدة في حالة حدوث هذا الأمر، لذلك إذا لم تكن لديه الخبرة الكافية لاكتشاف القطعة المقلدة، عليه اللجوء إلى خبير قادر على هذا في حالة شكه في أمر القطعة».

واعتبر عبد العزيز، أن أكثر القطع قابلية للتقليد هو الصيني أو الكريستال، لأن به تقليدا على درجات. مثل الفازات التي تحمل أسماء ماركات عالمية، والتي يتم تقليدها بشكل متقن لا يكتشفه سوى خبير.

أما أندر قطعة باعها فاروق عبد العزيز في تاريخه، فكانت حجرة طعام يعود تاريخها إلى زمن الحملة الفرنسية على مصر، وهي صناعة فرنسية. وأضاف: «وقعت في يدي بالمصادفة وتمسكت بها، ودفعت فيها بضعة آلاف من الجنيهات، رافضاً التفريط فيها، إلا لمن يحسن تقديرها. وهو ما حدث في عام 1985 حين بعتها إلى سيدة مصرية بمبلغ 185 ألف جنيه مصري، وكان مبلغا ضخما جداً وقتها حتى أن الحاضرين في المزاد صفقوا للرقم. وفي العام الماضي أراد أحد أصدقائي شراءها من هذه السيدة بمبلغ ثلاثة ملايين جنيه مصري، إلا أنها رفضت».

تتلخص شروط الحصول على ترخيص للعمل في مهنة المزادات بالحصول على مؤهل عالٍ والتدريب مع خبير مثمن معتمد لمدة 30 جلسة، وهو ما قد يعني نحو ثلاث سنوات، إضافة إلى وجود مكان لممارسة النشاط لا تقل مساحته عن 100 متر مربع. وهو ما يراه بعض الشباب الراغبين في اقتحام هذا المجال، أمراً صعب التنفيذ على الأقل لصعوبة الحصول على المكان في ظل ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير.

من جانبه قال سعيد بشير صاحب صالة «فينوس» للمزادات إن الكثير من العاملين في مهنة المزادات، يدخلون المجال من باب الهواية، وهو ما حدث معه منذ نحو 20 عاماً. وأضاف: قد تكون المزادات فرصة لهواة كل ما هو قديم لإشباع هوايتهم، حتى لو لم يكونوا من القادرين مادياً».

إجراءات المزاد كما يقول سعيد بشير تبدأ بضرورة توفر ما لا يقل عن 400 قطعة لإجراء المزاد. بعدها تقوم الصالة بإخطار وزارة التجارة والصناعة لإرسال أحد مسؤوليها لحضور المزاد والتفتيش على أسلوب المزاد. بعدها يتم نشر إعلان في الصحف قبل موعد عقد المزاد بخمسة أيام، يليه إعلان آخر قبل المزاد بيومين. ويجرى المزاد على يومين أو ثلاثة أيام على الأكثر، ويسبقهم يوم للمعاينة. أما الكلمات المتداولة في صالة المزاد منذ عشرات السنوات، فما زالت تستخدم حتى الآن في العديد من الصالات وفي مقدمتها «الا أونا، الا دوي، الا تري» وهي مشتقة من الأعداد من 1 إلى 3 باللغة الايطالية. وتستخدم لتنبيه الحاضرين إلى أن القطعة التي يزايدون عليها في طريقها للبيع». ويضيف بشير: «في بعض الصالات التي افتتحت حديثا ولم يعاصر أصحابها الخبراء الأجانب، بدأت في استخدام العد باللغة العربية، بدلا من الكلمات المعتادة. وعموما كل خبير له طريقته».

أما فيما يتعلق بالمترددين على صالات المزادات فأغلبهم من الأجانب الباحثين عن الجمال في القطع القديمة، بالإضافة إلى عدد كبير من الفنانين الذين باتوا من هواة المزادات والتحف. إلى جانب بعض المواطنين من مختلف المهن مثل المهندس سمير الطنبولي، الذي قال عندما التقيناه في احدى صالات المزادات: «أعشق المزادات وأحرص على متابعتها قدر استطاعتي، وقد أثثت بيتي مما اشتريه منها». ومن المعروف في عالم المزادات، أنه في حال عجز المشتري عن دفع قيمة ما اشتراه في المزاد، فإنه يدفع 50% من قيمة السلعة، ولا يتسلمها لكنها تعرض لحسابه في المزاد التالي.